الأحد، 26 نوفمبر 2017

بسرعة نحن في حاجة الى درع ضد الكراهية!




حرية التعبير تغرق في بحر من الكراهية، فهي مصنوعة من الرجم "الرقمي" ومطاردة السّحرة. والحطب يُحرق كل أولئك الذين يجرؤون على الكلام والمناقشة. فالرقابة لم تعد تأتي من الفوق، ولكن من الأسفل، من التفاعل، من هذه الحزمة من المتصيدين المسعورين، والتي يتولّد منها مهاجمين حقيقيين وحتى قتلة في بعض الأحيان.

إنها قصة امرأة شجاعة تجرأت على إدانة مغتصبها والتي رُجم اسمها في الساحة العامة. وقصّة صحفيّة شابة التي لم تعد قادرة على التنديد بالتحرش الجنسي دون التعرض للمضايقات. وحتى لصحفية لم تستطيع الحديث عن هذه التهديدات دون التعرض بدورها الى التهديد! وهذه هي قصة صحيفة ساخرة اخرى لم تعد قادرة على رسم رسول أو حتى معلم، ولا حتى مُلتحي أو حتى رجل ذو شارب، دون التعرض الى التهديد بالقتل ثم بالذبح، ثم يتم اعدامها علنا مرّة أخرى. ورسامة تواصل الرسم وبندقية موجهة الى راسها. إلى درجة الرغبة في الانسحاب من الحين الى الآخر من عالم الشبكات الاجتماعية للتنفس الصعداء. قصة كذلك المدير السابق لشارلي، الذي بكثرة البصق على وجهه، لم يعد قادرا على إعطاء مناضرة دون حماية، وقد تمّ القبض على متعصِّب كان يتربّص به. وهذه هي قصة متخصّص في قضايا الإرهاب الذي يعيش تحت حماية الشرطة لسنوات في فرنسا، بعد أن نجا من الهجمات في الجزائر. وهذه هي قصة صحفية التي تشتغل على جميع اشكال الأصولية، والتي تم الكشف عن عنوان بيتها من قبل البعض ورمز بابها من قبل الآخرين.

لم يعد بإمكاننا انتقاد برلمانيا مناهض لشارلي دون الاختناق تحت وابل من القرف العنصري...

هناك العديد من القصص. كل يوم، يتم اصطياد الصحفيين بأسماء يهودية في نهاية مقالاتهم، يتعقبهم المتآمرون، او يندّد بهم المناهضون الجدد للعنصرية والمعاديين للسامية، قبل أن يتم عرضهم في لباس مخطّط خاصّ بسجناء الدوائر الفاشية. لم يعد بإمكاننا أن ننتقد برلمانيا مناهضا لشارلي دون الاختناق تحت وابل من القرف العنصري الذي يلقيه اليمين المتطرف.

ولا يمكن لوزيرة العدل السابقة أن تدافع عن المساواة دون أن يتم منحها الموز، ودون أن يتحول منتقديها إلى قرود للصراخ. ولا يمكن لرئيس الوزراء السابق أن يندد بالأصولية ومعاداة السامية دون أن يحصد الأميال من الرسائل التي تدعوا إلى سحقه، أو إعادته إلى بلده الأصلي أو إبرازه بنجمة داود على أردافه. عندما لا يتم نعثه "ديت" (المعروف بمساندته لنظام فيشي) أو" توركمادا"(راهب دومينيكي وقت محاكم التفتيش الاسبانية) في الصحافة المميزة.

لا بد لنا من ترويض هذه الكراهية، وبسرعة، قبل أن تُجرّدنا جميعا من إنسانيتنا

السياسيون صعب المران. يمكنهم تحمل الضربات وكذلك ارجاعها. أحيانا يقوم بعضهم "بإرجاع الحلق" - أوحرفيا "ببصق" الإهانات التي يتلقونها في وجوههم. ومن الخطأ أن نرغب في "حذف من النقاش" أي شخص ، حتى أولئك الذين يسهلون دعوات القتل. ولكن اتركوا لنا الحق في التفكير في حذفه. بكثرة ما يتم تحويل بعض السياسيين الى أهداف، او عُلب توضع على منصات إطلاق القذائف، سيموت شخص ما لا محالة. وقد يدرك حينها الغوغائيون أننا لم نكن في حفلة تنكرية.

لقد استسلم الصحفيون ورسّامو الكاريكاتير بالفعل الهجمات الإرهابية. وضربت الهجمات العنصرية كندا. هل سننتظر حتى لا يرغب أحد الانخراط أو الكلام، أو حتى الوجود قبل أن يتفاعل؟ ولا بد لنا من ترويض هذه الكراهية، وبسرعة، قبل أن تجردنا جميعا من إنسانيتنا. يجب اعادة القانون والتحضر في تبادلاتنا. فالدعوة إلى القتل والكراهية والإبادة ليست حرية التعبير بل عقاب.

القوانين التي تنظم حياتنا جيدة. علينا فقط تطبيقها. ولكن القانون لا يساوي شيء دون قوة الجمهورية. فالحاقدين كُثُر. واستنفدت الأهداف قوّتها. ليس لديها لا الصبر ولا الامكانيات لتقديم شكوى كلما توصلت بتهديد ما على شبكة الإنترنت. نحن بحاجة إلى تعزيز هذه القوة. الى دولة تحمي. هذه الحكومة، المهتمّة جدا بالقضايا الرقمية وفعل الخير، يجب أن تضع "درعا رقميا". كمدّع خاص يكرّس مهامه الى هذه القضايا ويسمح له بالتحقيق في الأمر بإحالة من تلقاء نفسه، كل مرة يتم فيها إعدام شخص علنيا الى درجة تعريض حياته الى الخطر. إنها تتعلق بجودة نقاشنا العام وديمقراطيتنا. أو في كلمة واحدة، تتعلق بنوعيّة حياتنا.

كارولين فوريست

الجمعة، 10 نوفمبر 2017

من اجل الأكراد

تُنبّأ خيانة حلفائنا الأكراد عمّا لا يُحمد عُقباه. فأثار وقعها أشدّ من تنكّرهم لنا. انها بمثابة هزيمة. بالرغم من كل ما يُميّزهم، وفي نفس الوقت ما يُشكّل سبب الخلاف بينهم، قاتل أكراد سوريا والعراق معا ضد داعش، من اجلنا، وباسم نفس القيم التي ندعمها. ففي سوريا، المشروع الذي تحمله المحاربات المجيدات في "وحدة حماية المرأة" وإخوانهم في القتال "وحدات حماية الشعب" معارضا لرموز الظلاميين: انها مشاريع من قبيل المساواة، وحماية البيئة والعلمانية.

من المؤكد أنه على الرغم من كل مخاطر الدوغمائية المتأصّلة في اليوتوبيا، ما يُميّز جيب "روجافا" هي قدرته النّادرة في زرع بذور الأمل قلب صحراء دون مستقبل. فهي تجعلنا نؤمن بمشروع بديل للخيار المُهلك بين الديكتاتورية القومية والإسلاموية. مثل عُشبة بريّة تُعقّم مخزن القمح العتيد للعالم منذ عقود. وعلى بعد كيلومترات قليلة فقط، نجد قادة كردستان العراق، الذين أصبحوا رجال أعمال، تشوبهم أحيانا عيوب الانفصاليين. غير ان الكل أقرّ في جميع أنحاء العالم، مدى ازدهار اربيل، إحدى المناطق الفريدة في بلاد الرافدين القديمة حيث يحلو العيش.

تصويت العرب والتركمان من كركوك ب"نعم" لصالح الانفصال ليس من قبيل الصُّدفة. معظم سنّيي "المناطق المتنازع عليها" يفضّلون العيش تحت ديمقراطية كردية من العيش تحت وصاية بغداد الشّيعية المتحالفة مع طهران. وهم الآن تحت رحمة الميليشيات الشيعية بقيادة الجنرال الإيراني الذي جاء لمساعدة الجيش العراقي على استعادة المدينة وآبارها النّفطية.

البشمركة الذين دافعوا بشجاعة عن محافظة كركوك ضد داعش أعادوها دون قتال. تفاديا لسفك دماء لا جدوى فيها لأن ميزان القوى غير متوازن. مع العلم أن فرع من الاتحاد الوطني الكردستاني هو الذي فتح بوابات المدينة، مقابل صفقة شائنة يندى لها الجبين. فبعد ما تخلى عنه الجميع أعلن مسعود بارزاني تراجعه. وغضب منه الكثير لتحمّله مسؤولية هذا الاستفتاء والمخاطرة به صَوْب الاخفاق.

هل هناك وقت يُمكن اعتباره مناسبا للمطالبة ليس بالانفصال في حدّ ذاته، ولكن على الأقل التعبير عن الرغبة في الحرية؟ كما تم ترديده من قبل أصدقاء الكرد من قبيل فريدريك تيسوت، برنارد هنري ليفي أو برنارد كوشنر، "لن يكون ابدا الوقت مناسبا وفي نفس، الوقت هو دائما مناسبا". ترقّب الجميع أنه بمجرد تحرير رقّة، سوف يترك العالم الأكراد يواجهون مصيرهم بأنفسهم: فالوصاية العراقية توارت عن احترام الاتفاقيات التي ينص عليها الدستور. كانت اربيل مقتنعة تماما بان بغداد تُخطّط لهذا الاسترجاع منذ مدّة. وهذا ما يبرر السّباق ضد عقارب الساعة لانتزاع تصويت "نعم" لصالح الانفصال، صريح وعلى نطاق واسع، قبل بدء عملية التّفاوض. وبدلا من ذلك، ارسلت بغداد ميليشياتها ودباباتها - التي زودها إيّاها الجيش الأمريكي لسحق داعش – لاجتياح البشمركة. فتوقّفت صليل الدبّابات على بعد بضعة كيلومترات من أربيل. انقلاب الهدف منه فرض وحدة عراقية لا يؤمن بها أحد. غير انه ليس من المعهود ان تفوز الدبّابات بالقلوب. فهي لن تُنسيهم نسبة 92.7٪ التي صوتت لصالح استقلال كردستان.

لا يزال هذا الرقم راسخا في الادهان، مثل غنيمة حرب، مُقفل عليها في صندوق التاريخ. الكشف عليه يتطلّب ثورة الرّأي العام الدولي وجيل جديد من القادة الأكراد، تشملهم روح جديدة لتآلُف والوحدة. واذا لم يحضا أكبر شتات في العالم بدولة أو كونفدرالية، فالسبب في ذلك راجع أيضا الى انشقاقاتها - الثقافية والاقتصادية والسياسية - التي تحول دون مواجهة القوّتين اللتان على استعداد دائم لتحطيم الحلم الكردي: إيران وتركيا.

ليس هناك ما يبعث على الانزعاج أكثر من هذا التحالف بين نظام المُلالي، المصمّم على رسم قوس شيعي يَحُدّه البحر، ورجب طيب أردوغان، الذي يعتبر نفسه وارث سر الخلافة الجديد. أمريكا، التي فقدت صوابها بانتخاب ترامب، تركت الامر في مهب الريح. وأصبح العالم على حافة "فتنة" (إنقسام الشيعة) لم يسبق لها مثيل، فقد تُرك لحال نفسه دون شرطي ودون ضمانات، يعيش تقلّبات أكثر من أي وقت مضى. فماذا ستقوم به أوروبا الممزّقة من الداخل؟ وحتى فرنسا؟... شرفنا يكمُن في المطالبة بالاعتراف بكردستان في مجلس الأمن. السمّاح بالانقضاض على حلفاء القلب لن يجلب لنا السّلام. مكامن ضعف هذه سوف تُنمّي شراسة غول مرحلة ما بعد داعش. الا أنه علينا ألاّ ننسى أنّنا أيضا مُعرضين للخطر من قبله.

كارولين فوريست

الخميس، 2 نوفمبر 2017

إزدواجية طارق رمضان: الوجه الحقيقي لمُناور




كارولين فوريست، كاتبة اعمدة ومفكّرة  أجرت تحرّيات لسنوات عديدة لفضح الوجه الخفّي للواعظ الإسلاموي. هكذا حكت لنا عن ذلك:

عندما انفجرت قضيّة رمضان، كنت في المغرب لعقد ندوة. قبل الصّعود إلى الطّائرة، ذهبت عبر محطت آش لأورليالجنوبي. كلّ أولئك الذين يقومون برحلة الذهاب والايّاب بين فرنسا والمغرب العربي يعبرون من هناك. وإذا كنت لا تعرف ما تقرأه على متن الطائرة، قد يُعطيك بائع الكتب بعض الأفكار: طارق رمضان. فتجد أعماله ومحياه   يملئان أربعة رفوف! قُلت مع نفسي وأنا أصعد متن الطّائرة "هذا التّهريج لن ينتهي أبدا". عند وصولي، اكتشفت الخبر. مُلهمة بحملة "افضح خنزيرك" وقضية وينشتاين، أعلنت هيندا العياري تقديم شكوى عن الاغتصاب الذي تعرضت اليه. تعرّفْت على اسمها وقدّرت حقّ قدر شجاعتها. فهي تتعرّض الآن الى خطر كبير. خطر يفوق ذلك الذي تتعرّض اليه المُمثّلات اللّواتي ندّدن بالمنتج الذي وقع. فالإخوان المسلمون غير هوليوود. بالفعل، ستنقضُّ عليها حزمة من الحيونات الشّرسة . أتصوّر ما ستمرّ به من جحيم. انّ كشف حقيقة رمضان كلّفني ثلاثة عشر عاما من الاتهام بالافتراء وليس قليل من التّهديدات. فعلى سبيل الذكر تمّ الكشف عن عُنواني وعن الرّمز السري لباب منزلي في مواقع إسلامويّة، مرفوقان برسالة جاء فيها: "من الضروري أن تبقى الذئبة في عرينها". ومنذ إصدار كتابي، "الأخ طارق"، احتلّ اسمي صدارة العديد من الألقاب "الإسلاموفوبية" على شبكة الإنترنت. فبالنسبة للعديد من المؤمنين، تعتبر مُهاجمة رمضان بمثابة مهاجمة المسلمين برمّتهم. فالبعض يرونه كمسيح، أو مهدي مُنتظر من المفترض أن يظهر كل مائة عام لتجديد رسالة الإسلام. فما مقدار كلمة امرأة امام شبه نبيّ حسب رأيكم؟ واجهت هندا اياري وابل من الإتّهامات بالكذب، وتم نعثها "بعاهرة الصهيونية". وبطبيعة الحال، قام أنصار رمضان يصرخون ويندّدون بالمؤامرة. فهم ولا شك مدرَّبون على ذلك. مُعلّمهم يتشكي بانتظام من اللّوبي الشّهير الذي يسمّيه "ألدّ أعدائه"، هذا اللّوبي المزعوم الذي يرغب في تشويه صورة الإسلام، سواء في قضايا مثيرة للجدال أو فيما يتعلّق بالهجومات. ويُواصل الصّحفيون اعطائه الكلمة وتسليمه ميكروفوناتهم لتمكينه من دسّ السُّم، حتى محاكمة ميرا لم تسلم من تدخُّله. فهو قبل انفجار القضيّة، قام بنشر كتابا جديد، يشبه باقي كتبه. عبارة عن ماء دافئ يُشجّع على استدعائه مرّة تلو الأخرى إلى التلفزيون واستقطاب أتباع جدد والحديث باسم الإسلام المضطّهد، ضحيّة سوء فهم مريب من قبل الغرب. هذه هي دعوته الحقيقية (مهمّته في الوعظ): مُحاربة من يقوم بتشويه صورة الإسلام السّياسي. وخلال هذه السّنة، حيث لم يستطع  العثور عن غبيّ المفيذ (اطرش الزفة) الجديد "أعاد تدوير" إدغار مورين، الذي كان قد حاوره في مناسبة أوّل مُقابلته حول كتابه! ها هما الآن يجولان ويصولان عبر القناة التّلفزية تي في 5 موند وأماكن أخرى، وكأنّ شيئا لم يقع. ليست جولة الدّوقات الكبيرة، ولكن تشبهها. وفجأة، يسقط الخبر المزعج والسيّء للغاية.

 بداية النهاية ؟
في غضون أيّام قليلة، أفرجت شكوى هندا عياري عن كلمة باقي الضّحايا. وتحدثت عشر نساء أخريات بالفعل عبر شبكة الإنترنت إلى ضحايا آخرين أو صحفيين آخرين. شكوى ثانية، ثم شكوى ثالثة تشقّ طريقها. هل ذلك يكفي؟ ان العدالة تُطالب بالعديد من الأدلّة لإثبات الاعتداء الجنسي. خصوصا عندما تكون غرفة النوم مسرح هذه الجريمة. لقد وافقت هذه النساء أحيانا مُقابلته اوحتى مُعاشرته، ولكن ليس لعيش الجحيم الذي تحدثن عنه. ورمضان، ماذا سيخترع الآن لاعداد هجوم مضاد؟ انه بارع في تحوير الأدوار. منذ أول ظهور له في سويسرا، نجا رمضان من جلّ انواع الجدلات المثيرة. لم يطرح عموده حول عدم عرض مسرحية فولتير حول محمّد صدمة مفرطة. كما انّ قرار منعه من الاقامة في عام 1995 من قبل وزارة الداخلية - التي انتقد علاقاته مع الجماعات الإسلاموية الجزائرية التي تهدد البلاد، جعله يتحوّل الى شهيد في وجهة نظر رابطة حقوق الإنسان، والتي تقدّم له الدّعم منذ ذلك الحين. خُدشت صورته اثر اعلان موقفه لصالح "الوقف الاختياري" حول موضوع الرّجم أمام ساركوزي، ولكن لم "يلقى حتفه". ولا زال يتم تقديمه في صورة "مسلم عصريّ" في بريطانيا، على الرّغم من مواقفه الأصولية المتشدّدة المُوثّّقة. وحُرم من الحصول على تأشيرة عمل في الولايات المتّحدة لتمويل جمعية قريبة من حمّاس، قبل أن يتم إلغائها من قبل إدارة أوباما. وطردته جامعة ومجلس مدينة روتردام، الذي استخدماه كمستشار مختصّ في "الإدماج"، عندما اكتشفوا أنّه كان يعمل صحفّيا في الوقت نفسه لبريس تف وتلفزيون النظّام الإيراني! ولكن لرمضان قُدرة الانبعاث من جديد، وأحيانا عن طريق اغواء بلد لم يتشرّف بمعرفته حتى الآن. كقطرمثلا، حيث يُدير مركز أبحاث حول التشريع والأخلاق الإسلاميّة، فبالنّسبة له قد يُمثّل هذا العمل سُترة نجاته: انسب مكان قد يلجأ إليه في حالة إدانته. أمّا جامعة أكسفورد، حيث يرجع الفضل في توظيفه أستاذ الى قسم الإسلامولوجي المُموّل من قبل قطر، فهو مترددة في ابداء رأيه حول هذه القضيّة . امّا فرنسا فلا تزال أكبر ميدان فشله. وهو يعتبرني المسؤولة الأولى عن فشله. انّه تقدير جميل لشخصي. ولكن يجب عليّ ان اعترف ان آخرون أيضا نبّهوا عنه حتى انّهم انذروا الرأي العام اكثر منّي واذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر جاكلين كوستا لاسكو وأنطوان صفير وليلى بابيس وجيل كيبيل ومحمد سيفاوي ... وآخرون لا تحضر امامي أسمائهم الآن. لم يرغب الكثير الإصغاء الى ندائي. حتى أنهم اعتقدوا أنّه مَن بعث شكّ في امر رمضان، هو نفسه موضع شك.

فرنسا بلد فشله لسنوات
منذ سنوات، ربّما الامر يرجع الى الغباء أو الكسل، طأطأ بعض الصحفيين رؤوسهم اجلالا لطارق رمضان "كمفكّر إسلامي حداثي". في حين أن  الفضل في وضعه الجامعي يرجع إلى أطروحته التي تُشيد بجماعة الإخوان المسلمين. وأنه يُدين فيها بكل بساطة المسلمين العلمانيين معتبرا اياهم متواطئين ومتعاونين مع "الاستعمار الثقافي" الغربي. اما الأرواح الشرقية الجميلة، الحريصة على الاستغراب، فهي تفضل أن ترى فيه "جسرا" بين الغرب و "العالم الإسلامي". وكأن الإسلام كان متجانسا، وليس مسرح حرب ضروس بين الأصوليين والحداثيين. وبسببهم، استطاع  طارق رمضان الضغط بكل ثقله على ميزان القوى في خدمة الأصوليين، حتى في قعر دار أوروبا. ففي خطبه، يدعو قوّاته الى الاستيلاء على جنسيتهم، ولكن كجنود لإسلام سياسيّ وليس كجنود مجنّدين لخدمة وطنهم. لتشجيعهم على المشاركة في كل مكان (النقابات، الأحزاب، وسائل الإعلام ...) حيث يتمكنون من كسب الثقة وتكثيف الجهود نحو "المزيد من الإسلام". و حتى ان  أحيانا تبدوا اطريقة التسلّل هته شيئا ما وقحة وخشنة. كما هو الحال عندما حاول مناصري رمضان فرض وجود المُعلّم جبراعلى ثماني حلقات نقاش في منتدى اجتماعي في لندن في عام 2004. وقبل ذلك بعام، كانت عارضته حول "المثقّفين اليهود" وتواجده في المنتدى الاجتماعي في سانت دينيس مثيرا للجدل. في ذلك الوقت، وقّع مانويل فالز وجان لوك ميلينشون وفنسنت بيلون معا عارضة لتحذير اليسارمن "السيد رمضان الذي لا يمكن أن يكون منّا ". هذا اليسار العلماني الذي حاول الصّمود قبل أن يتمزّق. ففقد رمضان كثيرا من الميادين في فرنسا. لكنه بالرغم من ذلك يبقى رمضان من بين الأصوليين الأكثر دهاءا فيما يخصّ الحلول لإيجاد حلفاء تقدُّميين. في ميديابارت وبوليتيس وفي لوموند ديبلوماتيك. هم جملة كلاب حرس حقيقيين. مستعدين دائما للنّباح خوفا ممّا يعتبروه عنصرية وضد أولئك الذين يُنذرون من خطر الأصوليّة الإسلامية. كما يشعر البعض الآخر وبشكل صريح بميولات معادية للإمبريالية تتوافق وميول جماعة الإخوان المسلمين، التي يطلق عليها اسم "تروتسكييستس الإسلام". لكن التّحالف الإسلامي اليساري لم يأتي بالثّمار المتوقّعة في بداية الأمر. حيث انفجرت الحركة المناهضة للرأسمالية  بعد ان تقدّمت امرأة محجّبة فى الانتخابات الاقليمية. غير أنّ رمضان اكتسب حليفا جديدا: إدوي بلينيل، الذي تأثر بمدى شعبيته أمام جمهور شاب و مسلم بفضل صديقه الجديد. فمنذ ذلك الحين، تُرجم كتابه الأبوي للمسلمين إلى اللغة العربية ... من قبل دولة قطر.

 تسعة اشهر من التحريات
لقد قررت كتابة "الأخ طارق" في عام  2003  لوقف هذه التحالفات المريبة بين الأصوليين والتقدّميين، ولكن أيضا لدعم المسلمين الحداثيين الذين كان يُصادر حقّهم في التعبير عن آرائهم. على مدى تسعة أشهر، وأنا استمع إلى خطبه على شكل أشرطة، إلى درجة أنني حفظتها عن ظهر قلب، وإلى أن أصبح بامكاني إنهاء جُمله. ففي البداية، لم أكن أؤمن ب "حديث مزدوج" مُمنهج. بل كنت أعتقد ان خُطبه تتميّز بشيء من التعقيد يوظّفه في خدمة أفكاره. ولكن تدريجيا، اكتشفت رجلا مُناورا حقاّ، مُخلصا تماما لاستراتيجية التّقيّة التي تمارسها جماعة الإخوان المسلمين: خطاب للخارج وآخر للدّاخل. عبر التلفزيون، يعلم رمضان أن عليه ابراز جانبه السّلمي وان يطمأن ويغوي. وفي الميدان فهو يقوم بتشجيع الشباب على اكتشاف هويتهم "الإسلامية"، واحترام "وجهة نظر إسلامية حول الجنس"، وحتى قراءة كتب أو مشاهدة الأفلام مقبولة شرعا. إن نموذجه المُطلق، الذي ينصح الشباب المسلم في أوروبا باتخاده قدوة لهم، ليس سوى جدّه: حسن البنّا، مُؤسس الإسلام الفاشي. مرجعه الديني هو يوسف القرضاوي: اللاّهوتي المفضل لجماعة الإخوان المسلمين. وعلى القنوات العربية وفي كتبه، يُطالب "العالم" بمعاقبة المثليين بشدّة، وذلك من أجل القضاء على هذا الشر الذي يقود البشرية إلى خرابها. كما يعتبر بالنسبة له انّ "الحوار الوحيد الممكن مع اليهود يمرّ عبر السّيف والبندقية". بل إنه أصدر الفتوى التي تسمح لحماس بتنفيذ تفجيرات انتحارية. هو أيضا الرجل الذي ساعد على إشعال فتيل قضية الرسوم الكاريكاتورية منذ الجزيرة! هذا هو العلم الذي ينصح به رمضان شباب أوروبا أن يكسبوه. ونُفاجئ  عندما نكتشف أنهم تطرّفوا... يجب ان تعلمون أنه لكشف وجهه الحقيقي بتأنّي، منذالآن ثلاثة عشر سنة، تم وصفي بجميع النعوث تارة بالكاذب وتارة ب "كارهة الإسلام"، وذلك من قبل زمرّة من علماء الاجتماع وجامعيين الذين لم يتفوّهوا بكلمة ولم يفقهوا شيئا. بعد قراءة كتابي، قام البعض بمراجعة أحكامهم حول "الأخ طارق". ولكن الآخرين، أكثر كسلا أو افتتان بشخصه، واصلوا دعوته كما لو شيءا لم يقع. فعلى خشبة مسرح التلفزة، ضحك فرانز أوليفييه جيسبرت معه عن أولئك الذين اتّهموه بأنه "الدكتور جيكيل ومستر هايد". وفي عام 2009، بسط لوران روكيه سجادة حمراء له. ففي ذلك المساء، كان اريك زمور وإريك ناولو منبطحين تماما أمام الواعظ، يضحكون، منسجمين معه كلّ الانسجام عندما هاجمني في حواره.

نقاش تحت ضغط عاليّ
 بعدما أصدرت مقالي الذي قمت فيه بإدانت هذا الحطام غير أخلاقي وتلفزيوني، عرض عليّ فريديريك تادي حضورمناقشة وجها لوجه مع طارق رمضان في برنامجه "س سواو أوجامي" (هذه الليلة  فقط). منذ اصدار كتابي، كان دائما يتملّص. لكنه وافق عندما رأى انه سوف يحاور فوق أرضية ودّيّة مُوتية "للأخ طارق". وقبل أيام قليلة من مقابلته وجها لوجه، اكتشفت أنه بالإضافة إلى خطابه المزدوج كانت للداعية حياة مزدوجة. حينها تم الإعلان عن "مبارزة طال انتظارها" في كل مكان. فاتّصلت بي بعض النساء ليخبرنني أن رمضان كان أسوأ بكثير عمّا ذكرته في كتابي. منذ أشهر، لم تتوقّف العديد منهنّ من الاشتكاء من "مُنحرف نرجسيّ" على المنتديات وقناة يوتيوب ومدوّنة سُمّيت احداها بنفس عنوان إحدى كُتب رمضان: "عقيدتي الحميمية". فتم اختراق كل هذه الصّفحات أو العمل على محو اثرها. ولكن اللّاتي قدّمن شهاداتهن  بصفة مجهولة تَواصلن مع بعضهن البعض عبر الرسائل النصّية الخاصة. وهكذا اجتمعن . واستطعت عقد موعد مع ثلاثة منهنّ في مقهى. فتداخلت قصصهن وتجاوز ما سمعته أي شيء كنت أتوقّعه. عند الإصغاء اليهنّ اكتشفت ان ازدواجيته وحتى خدعه ليست سياسية فحسب، بل أيضا وبلا شك مرضية. الصُّور والرّسائل النصّية المعروضة أمامي تُثبت لي أنهن لم يكذبن فيما يخصّ الطبيعة الحميمة التي كانت تربطهنّ به. لكنها لم تكن كافية لإثبات العنف. ولتقديم هذه التهّم إلى الرأي العام، فيستلزم الأمر تقديم على أقل شكوى واحدة. وكانت إحدى الفتيات على استعداد للقيام بذلك. فعرضتها على قاض لتقدّم شكواها، وروت له مرّة أخرى تفاصيل ليلة الرُّعب التي عاشتها. وهي فعلا ودون ادنى شك اعتداءات يعاقب عليها القانون. وبعد بضعة أيام، طلبت مني ان أوقف كل شيء. لقد تلقّت حينها تهديدات ملموسة تفوق حدّة باقي التّهديدات الأخرى. فتسبّبت لها في انهيارنفسيّ. ولم أستطع كما أبيت على نفسي إجبارها. مِحن رهيبة تترقّبها. وإذا خانتها قوّاها في هذه المرحلة، فلن تستطيع الصّمود طويلا. وهكذا نجا رمضان مرّة أخرى. وواصلت هذه النساء تنبيهاتهن بطريقتهن الخاصة على الشّبكات الاجتماعية. وأنا أيضا قمت بذلك، كلّما أُتيحت لي فرصة التّحذير من طارق رمضان وازدواجيته. لقد استغرق الأمر ثمانية سنوات لكي تنفجر الحقيقة. خلال كلّ هذه السنوات، تذكّرت وما زلت أتذكر نظرة هزيمته عند نهاية مواجهتنا المُتلفزة. عندما نطّتا اثنتان من تلك النساء من الجمهور قادمتان لتهنئتي وتقديم الشكر لي أمام أعينه. ففي ذلك اليوم، تاكد انه سيأتي يوم لا محالة له حيث ينفضح امره.

كارولين فوريست