الجمعة، 25 نوفمبر 2016

انتباه ! الديمقراطية المتحولة





ماريان العدد الاسبوعي من 25 نوفمبر إلى الأول في ديسمبر 2016


أولئك الذين لم يروا مجيأ البريكسيت، أوترامب أو الإقالة القطعية  لساركوزي لم يفهموا الى أي حد أصبحت الديمقراطية العالمية تتحول. للأفضل كما للأسوأ.

منذ بضع سنوات حتى الآن، يمكن اعتباره العصر الحجري، يظهر استطلاع للرأي مرشحين يتم اختيارهم بواسطة لعبة الاجهزة. كنّا نقوم امّا بمتابعة برامجهم أم نرفضها، يتم فك لغزها وشرحها من قبل هيئات ووسطاء  وفق أهوائهم أو ثقافتهم الأيديولوجية.

أمّا العالم الجديد فهو أكثر اضطرابا، وأقل قابلية للتنبؤ. الانتخابات هي بمثابة مسابقة "نيو ستار". يتم تنقيط كل أداء اعتباطيا على الشبكات الاجتماعية، من قبل لجنة التحكيم التي تتوفر على نفس حسن النية التي تتوفر عليها لجنة تحكيم التزحلق الفني على الجليد.

بين الاستهجان. استنكارات مجهولة المصدر والهجمات المفترية. المتزلج الذي يخوض هذه التجربة يخرج بنفس اللكمات التي يتلقاها الملاكم تحت الحزام.

مرحبا بكم في الديمقراطية 2.0! تتلخص غالبا في الاختيار بين مرشح يشتبه في كونه مقرّبا من قطر ومرشح يشتبه في كونه مقرّبا من روسيا. كلاهما من الحيوانات المفترسة الكبيرة والمفسدة للسيادة، ويحقّ للناخبين توخي الحذر منهما. ولكن نظرا للتهديد الجدي للهجمات الإرهابية موازاتا مع التقدم الحقيقي والخطير للدعاية الرقمية الروسية (في المواقع المشهورة باعادة الاخبار، والتي هي بديل للبرافدا)، فحملة المرشح الذي يساند  بوتين تمر في أجواء هادئة أكثر من التي تغض الطرف عن بعض التيارات الاسلامية مثل الاخوان المسلمين. فاسألوا ألان جوبيه أو هيلاري كلينتون!

لا بأس إذا كان ذلك سيخدم مصالح المتنافسين  الذين هم أنفسهم متورطين، البعض محاطين باصوليين والآخرين مفتونين بالحكام المستبدين، فالديمقراطية 2.0 لا ترى أبعد من انفها. بين شرّين وهجمتين، يتوخى مستخدم الأنترنيت الحذر (وعن حق) من حقائب قطر دون الانزعاج (وعن خطأ) من الحقائب الروسية.

هذا هو السبب الذي جعل نفس العالم الذي انتخب دونالد ترامب، هو نفسه الذي أوقف رقصة البوما لنيكولا ساركوزي. حسنا، ليست بالضبط نفس العالم. ففي الولايات المتحدة، لقد أخرجت دعاية الشبكات الاجتماعية، ديمقراطية الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) تماما عن مسارها، كما انا ترتكز على انتخابات بدورة واحدة. هناك، يمكن للمرشح أن يكون على رأس القائمة عند الناخبين الكبار حتى ولو حصل على مليون صوت أقل!

أما نحن فلدينا انتخابات رئاسية بدورتين. تتطلب من الناخب استراتيجية أكبر وقبل كل شيء فهي تتحكّم  أكثر في خطر الشعبوية. حتى عندما تنفخ شياطين الخوف والغضب في أشرعة من هم أسوأ.

فما قبل خمسة عشر عاما، بدت مؤسسات الجمهورية الخامسة جامدة وغير قادرة على التجديد. لكنها استدركت الامر عندما انتقلت الولاية الى خمس سنوات، وتمت إضافة انتخابات تمهيدية، فربما تكون قد وجدت التوازن في هذا العالم غير المستقر عبر احتواء التطرف، وفي نفس الوقت، إحباط سيناريوهات مكتوبة مسبقا.

دعونا نتذكر حالة المعنويات المتدهورة لهذا البلد عند دخول شهر شتمبر. أنهكتهم التفجيرات، وانتابتهم حالة من اليأس لفكرة الذهاب إلى نفس اللوائح الانتخابية الرئاسية الأخيرة. سيناريو مهين وخطير حيث نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند يعيدان خوض المبارزة مع خطر ابراز مارين لوبان كبديل.

أما في السيناريو الجديد الذي هو من تأليف الانتخابات التمهيدية، فالناخبين هم الذين قرروا
 في مَن يتصدر الاّفتات. بفضل تعبئتهم، قدّم لنا حزب اليمين مبارزة حقيقية بين خيارين جوهريين، لا شكليين فقط: يمين شيراك ضد يمين بوتين.

ومن دون تعبئة قوية من الناخبين من الوسط واليسار، فلا أرى كيف سوف لن يفوز يمين بوتين. إذا كان هذا هو الحال، فإن احتمال وجود اليمين المتطرف سوف ينقص قليلا من الأوكسجين عن الجبهة الوطنية ( الايف اين)، ولكن أيضا
 سوف يفتح الأمل لليسار. جبهة أكثر اتحادا لرفض كتلة مارين لوبان وبرنامج جد يميني والتاتشرية و"منيف للجميع" لفرانسوا فيون.

وهذا يعني إفشال السيناريو الاخير: اعتقاد أن هذه الفزاعة تكفي. فللبقاء على قيد الحياة في هذه الانتخابات، يجب على حكومة اليسار خلق المفاجأة أيضا. وتقديم مرشح جديد. مطمئن واصلاحي وذو مصداقية أوقات الإرهاب والثورة المحافظة، ولكن يختلف عن المرة السابقة. هل فرانسوا هولاند على استعداد أن يقوم بهذه التضحية حتى يمكِّن بلده من فرصة جديدة؟


كارولين فوريست

الجمعة، 18 نوفمبر 2016

هؤلاء "المزيفين" المناهضين للنظام




يجب دائما
أخد الحذر من السياسات التي تنفجر ضد النظام. انّها الأسوأ. وريثة سانت كلاود تعيش بالديماغوجية السياسية الموروثة من الأب الى الابنة. فالرئيس السابق لبلدية نويي كان يحلم دائما بالاغتناء عن طريق قيادة سياسة في خدمة الأغنياء.

سياسة يتحمل مسؤوليتها البرلماني اللبرالي لباريس، انتخب بفضل الدائرة السادسة لباريس ولكنه في نفس الوقت يصفع نخبة سان جيرمان دي بري. لا أتحدث عن المحامي الذي ... ترك شركة بيغماليون تقوم بما قامت به. أو المتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة والذي يسمي نفسه مضاد لخريجي هذه المدرسة لإرضاء صناديق الاقتراع. أو الطفل المدلل الذي مر من صرّاف الى وزير، والذي أرجع بدلة عمله ليصبح بدوره وبسرعة رئيسا دون المرور عبر الانتخابات التمهيدية ... آه، انهم وسيمين هؤلاء المناهضين للنظام، معنيين بشكل مؤكد بأحوال الشعب، حقّا!

ولكن عن أي نظام يتحدثون عنه؟ ولماذا لم يُعرٍّفون به قط؟ فاذا ما قدَّموا لنا توضيحات حول النظام ستُفضح مناوراتهم. فالنظام، في أفواههم، لا يعني الشبكات المالية غير المضبوطة ... ولكن الديمقراطية التمثيلية المكونة من السلطات
المضادة والهيئات الوسيطة. أمر مقلق عندما نفضل الديماغوجيا الديمقراطية المباشرة على طريقة الدمقراطية "الشعبوية".

نحن نتفهم مصلحة ساركوزي في استهجان الهيئات الوسيطة التي تُذكّره بالدستور أو الصحفيين عندما يُذكّرونه بحصيلته . ولكن ما هي الفائدة من تصديق هذا الامر؟ هل يجب على المرء تقبل التلاعب حتى يصبح جزءا من "الشعب"؟

لقد نشأتُ في منطقة الجنوب. قبل ان أصل إلى باريس، واشتغلت في الصحافة، وكنت
أعتقد انا أيضا، أن الصحفيين والسياسيين عبارة عن حيوانات غريبة ومنقطعة عن "الشعب". لكن الامر عكس ذلك تماما: هم أناس شغوفين بالمعرفة، محتدمين أكثر بالآخرين وبالمصلحة العامة، بالنسبة لما هو عليه عامة الناس.

حقا هناك العديد من الاستثناءات. الصحفيين أشباه النعام. يوم يخطئون. وفي اليوم التالي، يهاجمون وسائل الإعلام خوفا من تعرضهم للإقصاء. فالنعامة متقلِّبة. وخيانة المثقفين موجودة. لكن البعض الاخر أكثر تبصّرا ينددون بهؤلاء الخبراء ويستنكرون مسؤولية الاسلام الراديكالي أو أضرار العولمة. ولماذا القيام بهذا الخلط؟

لقد فقد الصحفيون بصرهم. كما أنه ليست من مهامهم ولا من مهام استطلاعات الرأي التكهّن ما قد يصوت المواطنون به. كما لو كان الامر عِلم دقيق. ذلك من شأنه ان يُشكل مؤامرة النظام! والدليل القاطع على أن لا وجود لها، هو أن الناخبين هم فقط من يصيِّروا الانتخاب. وهذا أمر جيد!

بما انني كتبت أن ترامب كان من المرجح أن ينجح في الانتخابات في فبراير ثم شتنبر عام 2016، أود أن اطير لإنقاذ كاتبي الاعمدة الذي لم
يرغبوا في تصديق ذلك. فالبعض فقدوا أبصارهم. والبعض الآخر رفضوا ببساطة كون دجّال وعنصري ومعتدي جنسيا، يقطن بالبيت الأبيض. لديهم الحق. بل لعله أمر صحي للغاية.

واليوم يقال لنا بكل الوسائل الممكنة أن دونالد ترامب، في نهاية المطاف، سوف "يتطبّع".
فالفكر الملائكي
بالتأكيد مرض غير قابل للشفاء. فقد لن يقوم ببناء جدار حقيقي ضد المكسيكيين (مجرد سياج)، ولن يحظر الأراضي الأمريكية تماما على المسلمين الأجانب، أو حتى القيام بتمزيق بوحشية معاهدة كوب 21. ولن يمكث طويلا معتمدا سياسة الانعزال نظرا لحالة العالم وتقلّباته.

ومع ذلك فترامب هو بالفعل تحت تأثير بوتين ويتعهد بتعيين قاضي مناهض للإجهاض في المحكمة العليا كما يستعد لإعطاء مفاتيح البيت الأبيض لستيفن "ستيف" بانون، أحد الدعاة لألت رايت (بديل اليمين)، يمين متطرف ومدافع عن الهوية وكاره للنساء ومعاد للسامية والمثلية الجنسية ومناصر لنظرية المؤامرة. فاليهود والنساء والمثليون جنسيا مضطهدين منذ زمن من قبل الإسلامويين، سيصبحون مضطهدين ايضا من قبل القوة الناعمة الأمريكية!

في عهد أوباما، كان البيت الأبيض يدعم الحركات الموالية للحجاب مما يخدم مصلحة الأصوليين. وتحت ترامب، سيتم تشجيع الهوية واليمين المتطرف الذي تقوم القوة الناعمة الروسية بمساعدته منذ مدّة ... مستقبل مُشعّ وحملات انتخابية متسمّمة مضمونة.

ويكفي أن نقول أن هناك ضرورة ملحة لمقاومة دعاية من هم مناهضين للنظام. كما حان الوقت لوقف السخرية عن بعض السياسات الأكثر عقلانية. هناك العديد من الدمى المضحكة التي تتطابق مع وصف مقتضب للمستفيد الساخر. ولكن هم بالضبط أولئك الذين يريدون أن ينتخبوا عن طريق شجب النظام!


كارولين فوريست