الخميس، 28 يناير 2016

بعد كولونيا: تجاهل أم احتقار النسوية؟


Le monde selon Caroline Fourest par franceculture


هذا الأسبوع كارولين، تنددين بتلك التيارات التي تنساق وراء المبالغة في تجاهل الحركات النسوية الفرنسية للعنف الذي حدث في كولونيا ... كما لو كان صَمْتهن المفترض في خدمة مصلحة المحافظين الراغبين الانفراد في تجسيد البصيرة.
لقد مرت ثلاثة أسابيع على تاريخ وقوع كارثة رأس السنة بكولونيا. وقد أصبح الاستنكار المُلح والثابت للتجاهل - الذي كان سائدا في ألمانيا ولكنه كان أقل من ذلك بكثير في فرنسا – يأخذ في بعض الأحيان منحى مشكوك في أمره. خاصة عندما يأتي من مثقفين عادة ما تكون أعمدتهم معادية للحركات النسوية. أولئك الذين يفسرون لنا، كما وقع في سياقات أخرى كالجدل حول أبجدية المساواة أو مقاربة النوع على سبيل الذكر، كيف الحركات النسوية تدمر الحضارة ... والذين يكادوا في كولونيا أن يلقيننا دروسا في الحركات النسوية الحضارية.
أنا لست من بين تلك النسويات المعقدات اللواتي يعتقدن أنه عليهن التزام الصمت أو التقليل من شأن وقع الطابع الرهيب والصادم على أوسع نطاق والمتخلف لما حدث في كولونيا. ولكن أيضا في السويد ومدن أخرى في ألمانيا. لقد تكلمت عن "مطاردة النساء" من هذا المنبر وفي هذا الميكروفون الأسبوع الماضي. وكيف تُذكرنا هذه المشاهد الرهيبة في نفس الوقت تلك التي وقعت في ميدان التحرير. والناتجة ليس فقط عن الهيمنة الذكورية، ولكن كذلك عن تلك الهيمنة المطلقة العنان خصوصا في جنوب البحر الأبيض المتوسط. وهذا يمثل تحديا كبيرا لإنجازاتنا. وعلينا ألا نصمت خوفا من العنصرية. فبالعكس، يجب أن نتكلم. لتغطية صوت العنصرية. وأنا بالتأكيد لست النسوية الوحيدة التي تتكلم عن ذلك. ولا حتى إليزابيث بادينتر. فنسويات أخريات، وكثيرات قمن بذلك. بالواضح ومباشرة.
في الميكروفون التقينا نحن أيضا وسيلة تامزالي وميشيل بيرو، اللواتي استنكرن أيضا ما حدث في كولونيا ...
وقد استنكر العديد ذلك الامر. فاليري تورانيان، وجميلة بن حبيب، ومريم هالي لوكاس وكذلك حركة فيمن. الحركة التي تقاوم من أجل حقوق النساء من استغلال الفضاء العمومي. ولو أنهن تعرضن للضرب والإهانة بعنف لم يسبق له مثيل، وذلك من قبل الشبكات التي تعطينا اليوم دروسا في النسوية حول ما وقع في كولونيا.
هذه ليست مفارقة. انه اعتراف. فالمنطق الذكوري يفضل ضرب الحركة النسوية وفَرَضية تجاهلهم لما وقع، عن الانكباب لمعرفة مصدر الأذى: الذكورية. فبقليل من سوء النية، سوف نجدهم يوضحون لنا أنه يمكن اختزال اليسار برمته في تلك المواقف المناهضة للعنصرية المُحرجة التي تدوس على حقوق المرأة باسم "لا للخلط".
انه موقف لا يُحتمل خاصة ونحن ننتمي إلى اليسار الآخر. تلك النسبة المائوية 92٪ التي هي دائما تشارلي. عندما أيّدنا "لاعاهرات ولا خاضعات"، والحق في نشر رسوم كاريكاتورية عن محمد. عندما ناضلنا لسنوات الى جانب النسوية المغاربية والشرق الأوسطية ضد الحجاب. ويصعب علينا احتمال هذا الامر خاصة عندما كتبنا عشرات الكتب تندد بالنسبية الثقافية والإغراء الظلامي داخل معسكرنا اليساري. كلمات ونضال تم تداوله، بعد عشر سنوات، من قِبل كُتاب الأعمدة المحافظة ... الذين هم حرصين على عدم التذكر أن هذا التحذير جاء، في بادئ الامر، من التقدميين.
هل تعتقدين أن اليسار الفرنسي أحسن مقاومة إغراء التجاهل عن باقي البلدان الأوروبية الأخرى؟
نعم، أفضل بقليل. على عكس العديد من نشطاء اليسار الأوروبي، فإن جزءا كبيرا من اليسار الفرنسي لم يتخلى أبدا عن نضال المرأة أوعن العلمانية. على حساب وصفهم بالإسلاموفوب وتعرضهم الى صيحات الاستهجان والتهديد بالقتل...
لا يمكن أن يقال ذلك بالنسبة لكُتّاب الاعمدة الافتتاحية التي تُدافع عن الهيمنة الذكورية والعودة السنوية إلى كل ما هو مقدس، الا إذا كان الجناة من المهاجرين أو المسلمين. وانا اقصد الصمت الحرج الذي أحاط، على سبيل المثال، نشر كتاب لاثنتين من مناصري الحركة النسائية الكاثوليكية، مود أمونديي وأليس شابليس، حول "الكنيسة والمساواة بين الجنسين." فالكتاب يدعا بسخرية "التجاهل".
هذا التجاهل لا يمنع من التنديد بالتجاهل الآخر، أي الرسائل المذهلة على التويتر لثلاث نسويات في كولونيا. مع ذلك فهذا الامر لا يسمح لهم اختزال النسوية برُمَّتها بل اليسار ككل في هذا الموقف. هذا الاختزال ليس محايدا. والهدف من كل هذا محو هذا اليسار النسوي العلماني المتبصر والمزعج. لتحرير الافاق. لفسح المجال. للتمكين من لقاء ملائم، وجها لوجه، بين يسار أعمى يتغاضى عن التمييز على أساس الجنس بدريعة عدم الرفع من العنصرية، ويمين خليع على استعداد لمصادرة الدفاع عن المساواة والتي هو في واقع الامر يحتقرها، حتى يتمكن من التلويح بعَلَمِه الحقيقي: عَلم الهوية ... والشرف الرجولي المستهزئ به.
ففي السنوات المقبلة، ستكون الشجاعة الفكرية الحقيقية هو رفض هذه المباراة الرجولية التي تتوعد. والتي بدأت بتهميش النسويات المتبصرات. لأنهن يردن حقا حماية فضاءنا ونقاشنا العموميين من عودة الهيمنة الذكورية، مهذبة كانت أم وحشية.

الجمعة، 22 يناير 2016

حرب العلمانيات في فرنسا؟

بعد الانتقادات التي وجهها رئيس الوزراء لجان لوي بيانكو، رئيس مرصد العلمانية، فكيف ينبغي تطبيق القانون 1905 في جمهورية متأثرة بالأصولية؟

لماذا أغضب جان لوي بيانكو الكثيرين من العلمانيين


هناك خط أحمر لا يتجاوز. أصبح المرصد العلماني ورئيسه أصم وأعمى امام صعود الأصولية.

الجدل الدائر الذي أحياه مرصد العلمانية جدل لا يدعوا للاستهتار. ذلك هو ما إذا كانت الدولة تريد الدفاع عن صفاتها العلمانية امام الأصوليين وحلفائهم، أو إذا كانت تريد أن تتعايش مع هذا الوضع في إطار الحوار بين الأديان والعلمانية "المتفتحة". هذه ليست مجرد كلمات أو حروب بين المصلات. لكن خيارات يمكن ان تسلح، أو على العكس، تنزع
السلاح.
في بلد يستهدفه الإرهاب، يمكن لبعض الدعايات أن تقتل. كيف يمكن جعل الغير ان يعتقد ان فرنسا تمارس عنصرية الدولة لأنها تجرؤ الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب. أو أنها اسلامفوب، لأنها تريد فرض المساواة بين الجنسين وتكريس أسس العلمانية في المدارس العمومية.

الناشرين لهذه الدعاية المسمومة معروفين لدى العلمانيين اليقظين. هم يرغبون في الاعتماد على مرصد العلمانية لحمايتنا. انهم لاحظوا أن الدرع اختُرق. فالمرصد يبدو أكثر انشغالا، منذ توليه منصبه للتخفيض من أثار الأصولية أو حتى التغاضي ومساندة حاملي هذه الخطب ضد فرنسا والعلمانية. هذا هو اللوم الموجه من قبل العديد من المنظمات العلمانية، الذي يصفهم جان لوي بيانكو "بأصحاب ردود افعال العلمانية الأصولية ". احتقاره ليقظة هؤلاء يعاكس تماما العطف والدعم القويان الذي أبداه تجاه المنظمات الأصولية حقا.

حتى احتقار المواعيد السنوية المهمة كحضور حفل الجائزة السنوية للعلمانية، بهدف تعزيز صفوف دعاة العلمانية "المتفتحة" للائتلافات الدينية، على طريقة جمعية تدعى جمعية "التعايش". انها جمعية تتوفر على موارد كبيرة، وهي قريبة من الكنيسة الكاثوليكية حيث تحد مفهوم العلمانية ب"المحايدة". تمارسها أساسا عبر الحوار بين الأديان، وبمعنى أدق بين أنصار "المنيف لجميع" والإخوان المسلمين. يقول صموئيل غرزيبوسكي أحد قادتها، أنه يجد تيار الإسلام السياسي الشمولي "مثيرة للاهتمام". مثل جماعة الإخوان المسلمين والمسيحيين
 كرياتيونيست، يرفض اعتبار مقام العلوم في التعليم أسمى من مقام المعتقدات. ألم يكن بذلك أفضل شريك لتوقيع كتاب "ما بعد تشارلي". 20 أسئلة للنقاش دون طابوهات  كلها موجهة للمدارس (طبع من قبل  دارين للنشر: أتوليي و ريزو كانوبي 2015)، ؟ ومع ذلك فهو اختيار مرصد العلمانية.


بعض الأسماء للضمان

حلفاء آخرين يثيرون تساؤلات متعددة، خاصة بعد هجمات يناير ونوفمبر عام 2015. نحن كثيرون من تقاسمنا الهاشتاغ  "نحن كلنا متحدين" #

NousSommesUnis بدعوة الاتحاد. لكن النداء الذي يحمل الاسم نفسه، بضمانة ونشر مرصد العلمانية، تابع لدوائر محدودة بكثير: نواة تتكون من جمعية "التعايش" وعدد من المقربين من جماعة الإخوان المسلمين، توسعت لعدد قليل من الأسماء قصد الاستفادة من "ضمانتهم"، كجان لويس بيانكو. فهو اليوم يدافع عن نفسه بعد ما وقع بلاغ هذا النداء وهو يتقدم لائحة الشخصيات المعنية ب الهاشتاغ "نوسوم أوني"#NousSommesUnis ، والتي أُيدت بحماس من قبل الرجل الثاني في المرصد، نيكولا كادين.


ليس نص هذا النداء، السخيف تماما، معني بقدر ما المعضلة في الرسالة التي يودون تبليغها، معنية. التنديد بالخلط، أكثر من التنديد بالإرهاب، جنبا إلى جنب مع الأصوليين. المناداة بعدم وصم، رفقة شخصيات ومنظمات يقضون حياتهم يصمون العلمانية بأنها عنصرية والعلمانيين بأنهم "بالإسلاموفوب" فمن هم الاسماء الرواد في هذا النداء؟ مغني الراب "مدين" ، الذي يغني "صلب العلمانيين كما صلبوا في الجلجلة،" نبيل الناصري  المتقرب جدا من قطر أو "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا" (CCIF).

فهُم إسلامويون بامتياز، اذ تتداول هذ التجمع بنِيّة التحايل، أرقام مرتفعة بالفعل في أعمال معادية للمسلمين – خاصة الشتائم والكتابات على الجدران – مضيفين الى حساباتهم، عمليات البحث لمكافحة الإرهاب، والتدابير المتخذة لإبعاد الأئمة الدعاة للكراهية، والاعتداءات القاتلة بين مسلم ومسلم آخر و حتى السرقات الموصوفة من قبل المنحرفين للمعدن قبة مسجد.
أهذاف هذا التجمع واضحة. إقناع المسلمين أن فرنسا تخلت عنهم، لرميهم في أحضان الوعاظ الأصوليين الذي يقوم  
CCIF بالنضال معهم.  لكم الاختيار، طارق رمضان، إمام السلفية ببريست وأبو أنس الذي يعتبر الموسيقى "صوت الشيطان،" وتحرض ل"انحراف الأخلاق" و "الفجور". دعاة يحضرون سنويا لحفل العشاء الذي يقيمه CCIF ... يا لوسامة الحلفاء للدعوة ل "الاتحاد"، خصوصا بعد هجمات باتاكلان. ومن هنا جاءت عريضة وقعها أكثر من 4000 علماني للمطالبة باستقالة جان لوي بيانكو.
وفي الآونة الأخيرة، قطرة ماء أفاضت الكأس وأقنعت ثلاثة أعضاء للانفصال من المرصد (جون جلافانى فرانسواز لابورد، باتريك كيسيل).

حين فرنس انتير خصصت اذاعتها لمناسبة "عيد ميلاد" مجزرة تشارلي إبدو، انضم نيكولا كادين لقوات  
CCFI حتى يأجج الغضب ضد إليزابيث بادينتر على تويتر. ماذا قالت ذلك اليوم؟ أنه من الضروري الدفاع عن العلمانية "دون الخوف من مواجهة الاتهام باسلاموفوب. كيف فسر CCIF تدخلها، وهو أخصائي في تقنية الترهيب؟ بان إليزابيث بادينتر تدعو الى الحق في أن تكون إسلاموفوب. وهي خيانة أدبية معهودة وأسلوب في التعامل غير شريف، الا أنها بدأت تكلف عدد كبير من الأرواح، أكثر مما يمكن احتماله. وعلى المركز مكافحته بدلا من الانضمام إلى هذه المجموعة الفتاكة.
هذه هي الخطوط الحمراء الموضوعة. تلك التي قام مانويل فالس بتذكيرها عندما سئل عما إذا كان يتغاضى عن انجراف المرصد. فرد جان لوي بيانكو بجفاف، متظاهرا عدم الانتماء لرئيس الوزراء. ما يتناقض مع ترويسته بشدة. فالحكومة لا يمكن لها أن تكتفي بالتذكير بالرجوع الى الصواب. فالمؤسسات التي تنشئها عليها الوفاء بوعودها، اي الدفاع عن العلمانية، وليس الدفاع عن أولئك الذين يهاجمونها
.

 كارولين فوريست

جريدة العالم

الحوارات، الجمعة 22 يناير، 2016، ص. 13