الأحد، 27 سبتمبر 2015

كارولين فوريست: الأصوليون سيجلبون لفرنسا اليمين الدكتاتوري

الكاتبة والإعلامية الفرنسية تدعو إلى عدم الخلط بين التعددية الثقافية كمذهب والتعدد الثقافي كأمر واقع.
العرب حميد زناز

كارولين فوريست من أهم الإعلاميات الفرنسيات، كاتبة سيناريو ومديرة مجلة بروشوا، كتبت عمودا بجريدة لوموند لمدة 5 سنوات كما درست مدة أربع سنوات في جامعة العلوم السياسية الشهيرة بباريس. نالت كتبها جوائز كثيرة من بينها الجائزة الوطنية للعلمانية وجائزة الكتاب السياسي. وهي اليوم عرضة لعنف اليمين المتطرف والإسلاميين والمتطرفين الكاثوليك وقد تم الاعتداء عليها ومنعها من إلقاء محاضرات من طرف هذا الثالوث العنيف. نشرت مؤلفات كثيرة لافتة حول اليمين المتطرف والأصولية من أهمها “العلمانية على محك الأصوليات: اليهودية، المسيحية والإسلام”، “الأخ طارق: استراتيجية ومنهج طارق رمضان”، “الإغواء الظلامي”، “مارين لوبان، بلا قناع”، “اليوتوبيا الأخيرة”، و”حينما يكون اليسار
جسورا”.

الجديد: يجد الأجانب وخاصة العرب منهم صعوبة في فهم ظاهرة تأسلم وتعصب الكثير من الشبان الفرنسيين! فكيف تحول هؤلاء إلى متطرفين في جمهورية علمانية؟

كارولين فوريست: في الحقيقة يسمح العيش في جمهورية علمانية بضمان حقوق الذين يرغبون أن يعيشوا أحرارا، ولكن لا يمكن أن يفعل شيئا ضد الذين، هم أنفسهم، يريدون أن يعيشوا عبيدا. العلمانية تحمي حرية الضمير وعلى الخصوص حرية الأقليات الدينية، عكس ما هو حاصل في البلدان التي تطبق قانون دين سائد. هنا لا تُقصى الأقليات ويمكنها رفع دعوى قضائية في حال ما إذا مارس أحدهم التمييز ضدها. ولئن كان هذا الإطار الديمقراطي مثاليا بالنسبة إلى الأغلبية، فهو فاشل مثل الدكتاتوريات، وربما أكثر حينما يتعلق الأمر بأفراد يستفيدون ويستغلون هذه الحرية من أجل قمع الآخرين والخضوع لنظام أيديولوجي عنيف يعتبرونه أعلى شأنا من الديمقراطية العلمانية. وهي حالة المتعصبين. وخلافا لما كتبه الصحافيون الأميركيون والبريطانيون غداة الهجوم الدامي على جريدة شارلي إيبدو بباريس، فإن المتعصبين والإرهابيين يمكن أن يولدوا في كل المجتمعات، عربية وأوروبية، خاصة منذ أن أصبحت الشبكات الإرهابية تجند عن طريق الانترنيت.

الجديد: ولكن الأمر مستفحل بفرنسا؟

كارولين فوريست: بما أن فرنسا هي البلد الأوروبي الذي يعيش فيه أكبر عدد من المواطنين من ذوي الثقافة الإسلامية، فمن البداهة أن يكون هذا البلد معرضا أكثر من غيره لظاهرة التشدد الديني ومن هنا يبرز ذلك العدد المرتفع للشبان الذين يميلون إلى التطرف مستغلين الدين الإسلامي. وأغلبهم، أي حوالي 80 بالمئة، تطرفوا عن طريق الشبكة العنكبوتية. بمعنى من خلال مواقع وفيديوهات دعاية ودجالين يدّعُون المعرفة الفقهية قد مارسوا عليهم الـتأثير وغسل الدماغ عن بعد.

موظفو داعش

الجديد: هل ينحدرون من أحياء فقيرة مهمشة كما يقول الإعلام؟

كارولين فوريست: على عكس الصورة التي تقدم دائما على أن الشاب المتطرف بائس وضحية التهميش وعلى أنه فريسة غلاة وطوائف، فليس كل هؤلاء المتشددين قد عانوا من التمييز أو من البطالة أو عاشوا طفولة فظيعة كما نقرأ ونسمع. فبعضهم له وظيفة وعائلة ولكن كلهم ودون شك يرغبون في حياة أكثر إثارة من الحياة التي يعيشون، إما لأنهم غير مستقرين نفسيا أو لأنهم غير راضين على الدوام عن حياتهم. لهؤلاء تقترح داعش السفر والمرتّب دون القيام بعمل حقيقي، إمكانية لمس واستعمال الأسلحة الأوتوماتيكية، الإحساس بالتفوق على الجميع وخاصة التمكن من اغتصاب وامتلاك فتيات كجوارٍ وماكينات جنس. لا يهتم هؤلاء المجرمون بالجانب الروحي وليس ذلك محركهم على الإطلاق. لو كانوا من أصل إيطالي، كان يمكن أيضا أن يلتحقوا بالمافيا التي بنت إمبراطورية الجريمة. وبما أنهم من أصول إسلامية، فإنهم يشعرون أحيانا بعجز في الإغواء والنجاح بسبب هذا الانتساب. وفي نظرهم ستُحوّل داعش دونيّتهم إلى ميزة ولن يعودوا في حاجة إلى أن يكونوا ذوي مواهب ومثابرين أو مُغرين. يكفيهم أن يقولوا بأنهم مسلمون أكثر من الآخرين وأنهم قساة بلا رحمة. وهو أمر في متناول أي شخص تقريبا.



التلاعب بالقاصرات

الجديد: وبالنسبة إلى الفتيات، كيف يتطرفن ويتجندن في صفوف الإرهابيين؟

كارولين فوريست: تشتغل دعاية الأصوليين بشكل مغاير مع الفتيات إذ يلعب مجندو داعش على وتر تعاطفهن الإنساني ورغبتهن في تقديم المساعدة أمام المأساة التي تعيشها سوريا، كما يستغلون بحث المراهقات على فرصة تجربة علاقة حب كبيرة وكثيرا ما يصبح رجلا لم تره المراهقة على الإطلاق صديقا حميما لها على شبكة التواصل الاجتماعي، فيلاطفها ويجعلها تؤمن بالحب الكبير ليوقعها في الفخ ولكي تصبح في واقع الأمر مومسا.

الجديد: ماذا تفعل السلطات الفرنسية أمام هذا التلاعب بعقول القاصرات؟

كارولين فوريست: لا نظام ديمقراطيا يمكن أن يزعم بأن له حلا سحريا لتفادي هذه التقنية التي تضلل الفتيات إذ هذا الشكل من التلاعب يمارسه المتاجرون بأجساد الفتيات منذ عصور. ولكن النظام الجمهوري العلماني يسمح لنا بالسيطرة على التطرف الديني غير الإجرامي كما تسمح لنا العلمانية أن نكون أرض لجوء لكل الذين يرفضون العيش تحت نير القوانين الدينية الخانقة للحريات. كما حدث لكثير من الجزائريين الذين فروا سنوات التسعينات تحت تهديد الإسلاميين أو الإيرانيين الذين هربوا من الدكتاتورية. ولكن الأسوأ هو أن نتخيل أنهم يمكن أن يموتوا جراء عنف آت من جنون أفراد كان لهم الحظ في أن يولدوا في بلد علماني. ولكن تبقى هذه الانحرافات قليلة جدا: بعض مئات من المجانين بين مليونين إلى ثلاثة ملايين مسلم من أصل إسلامي يعيشون بسلام في فرنسا ويحترمون علمانيتها.

الإسلام والتعصب

الجديد: يرى الباحث في الحركات الإسلامية، أوليفييه روا، أن الشبان المتعصبين في فرنسا وأوروبا هم عدميون جدد، ما رأيك؟

كارولين فوريست: من ناحية نعم، ولكنهم أقل تطورا، كان العدميون أكثر ثقافة. فلئن كانت للرؤوس المفكرة الأصولية أيديولوجيا، فأغلبية هؤلاء الشبان هم مستخدمون كأجساد تتلقى الضربات أو لتقوم باعتداءات وترتكب جرائم. وأغلبهم ليس له أدنى اطّلاع ولم يقرأ سوى بعض فتاوى على شبكة الإنترنت. وهم مضطرون قبل ارتكاب الجرائم الإرهابية إلى مشاهدة الفيديوهات ليجمعوا بعض شجاعة أو يتناولون المخدرات. كل هذا من أجل وَهْمِ الحصول على حياة جنسية في الجنة.

الجديد: كيف تَردّين على بعض المحللين الذين يرون أن الإسلاموية هي بنت شرعية للإسلام؟

كارولين فوريست: من العبث أن نخلط بين الإسلام كدين وهذا المرض، وكذلك من العبث أيضا نفي وجود أدني علاقة بين الدين والتعصب. أكيد مثلا أن كارل ماركس ليس مسؤولا عن الجرائم الذي ارتكبها ستالين ولكن من يستطيع القول بأن ستالين لم يكن شيوعيا ولم يتصرف باسم الشيوعية؟ وبما أن هناك مسيحيين ومسلمين ويهودا يعيشون إيمانهم بطريقة مسالمة هادئة ومحترمة للآخر، فيمكن إذن أن تُفهم تلك الديانات بهذا المعنى وفي بعض الأحيان رغم نصوصها الأصلية. ولكن من البديهي أن تبذل جهود تأويلية كبيرة مرفقة بكثير من البعد الإنساني كي يتم تجنب ذلك التفكير الذي يعتبر نفسه أعلى وأصدق من غيره. فمن يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة يمكن أن يصبح مضطهدا للآخر. ومن هذا المنظور، تبقى كل ديانة مهددة بإنجاب التطرف إذ تقديس فكرة، هو جعلها غير قابلة للنقاش، وبالتالي غير متوافقة مع مبدأ العيش مع الآخرين الذين يفكّرون بشكل مخالف وهو أمر مناقض للديمقراطية.

في كل اعتداء أصولي تزداد أسهم الدكتاتورية قيمة، في فرنسا يمكن أن يكون حزب الجبهة الوطنية وجها للدكتاتورية ويعرف الجهاديون ذلك جيدا ولا يكترثون للأمر

قارة مختلطة

الجديد: لقد ولّى زمن الاندماج، حسب بعض المحللين، وآن الأوان للاعتراف بالتعددية الثقافية في فرنسا. ما هو موقفك من هذا الطرح؟

كارولين فوريست: لا ينبغي الخلط بين التعددية الثقافية كمذهب والذي يعني تطبيق القانون بشكل مخالف حسب أصل وثقافة وديانة الشخص والتعدد الثقافي الذي هو أمر واقع: أوروبا قارة مختلطة يعيش على أرضها مواطنون من أصول وديانات مختلفة جدا وفي أغلب الأحيان بشكل منسجم للغاية وخاصة إذا ما نظرنا إلى الطريقة التي تعامل بها الأقليات في مناطق أخرى من العالم. لقد كانت العنصرية ما بعد الكولونيالية في طريقها إلى الزوال تقريبا بين الأجيال الجديدة الأوروبية حينما بدأ الإرهاب باسم الإسلام يضرب في أوروبا وأميركا. أمام هذا العنف ومواجهة الإرهاب، علاوة على مصاعب الأزمة الاقتصادية بدأت رغبة الانكفاء على الذات تتصاعد في أوروبا ومحاولة غلق الحدود، كأنه من السهولة العودة إلى الوراء والتشبث بثقافة واحدة. الأحادية الثقافية أمر مستحيل في أوروبا. نحن علمانيون وبالتالي فنحن متفتحون على كل الثقافات.

هدية سماوية

الجديد: يذهب بعض المعلقين إلى القول إن التطرف الإسلاموي في فرنسا وأوروبا بشكل عام هو بمثابة هدية نزلت من السماء بين أيدي اليمين المتطرف وأن هذا الأخير قادر على الوصول إلى الحكم مستخدما التهديد الإسلاموي.

كارولين فوريست: هو خطر جدي فعلا. صورة المؤمنين المسلمين وهم يغلقون الشوارع من أجل الصلاة وصورة رئيس شركة أعطى فرصة عمل لمسلم فقطع هذا الأخير رأسه بعد أسابيع، قتل صحفيين بجريدة شارلي إيبدو نددوا بالعنصرية والتطرف عن طريق الهزل.. كل تلك الجرائم كان هدفها إرعاب الناس. وأكيد حينما نخاف نرتمي بين أحضان الذي يصرخ أكثر وبشكل مستمر ضد من يعتدي علينا.

في كل اعتداء أصولي تزداد أسهم الدكتاتورية قيمة، في فرنسا يمكن أن يكون حزب الجبهة الوطنية وجها للدكتاتورية ويعرف الجهاديون ذلك جيدا ولا يكترثون للأمر، بالعكس هم يفضلون أن يكون لهم عدو منفّر وبغيض ليجندوا أكثر عددا من بين الشبان المسلمين. ومشروع الجهاديين ليس الثأر لضحايا العنصرية وإنما هو من أجل تجنيد رافضي العنصرية لاستخدامهم في محاولة توسيع دولة الخلافة في كل من العراق وسوريا. وهو مشروع استعماري سيفشل كما فشلت كل المشاريع الاستعمارية الأخرى.

*ينشر الحوار بالتعاون مع مجلة "الجديد" الشهرية الثقافية اللندنية

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

كفا مزايدة على ظهر المهاجرين !



غيوم ايرنير
 : هذا الاثنين، كارولين، تتطرقين الى هذه المبالغات المتزايدة التي تغمرنا حول اللاجئين. كاعتبار أن إغراءات الخدمات الاجتماعية هي التي تجتذبهم إلى فرنسا أو اعتبار أن منحهم هذا اللجوء ا من شأنه أن يزيد من خطر الهجمات الإرهابية.

كارولين فوريست: إذا توقفنا فقط عند اشاعات الإنترنت الحالية، ربما نجد حلا. لكن السياسيون ليسوا آخر من يحكي أي شيء حول اللاجئين.
إذا صدقنا نيكولا ساركوزي، فإننا سرعان ما سوف نكون "غارقين" بسبب منطقة شنغن. لأن عاجلا أم آجلا، حسب ما أوضحه: فسرعان ما سوف يدرك هؤلاء اللاجئين أن الخدمات الاجتماعية مميزة بكثير في فرنسا. لاحظوا أنه لم يقترح إيقاف المساعدات الاجتماعية لحمايتها بطريقة مؤكدة أو اقتصار اعادة النظر في فضاء الشنغن. فقد يكون لهذا الأمر وقع أكبر. بيد ان ألمانيا هي التي يرغب غالبية هؤلاء المهاجرين قصدها. وفي ألمانيا سوف يحصلون على اللجوء وبالتالي على المزايا اجتماعية. الخدمات الاجتماعية ليست حلوى نتلقاها عند السفر ...
كما لو كنا نقترح تعليق فضاء شنغن أو الخدمات الاجتماعية لمنع الناس الأكثر فقرا في أوروبا من قضاء عطلهم في فرنسا. هذا بهتان وخطير جدا.

غيوم ايرنير : على الرغم من ذلك، كارولين، سوف يُقال لك، ونحن نسمع الكثير من هذا القبيل، ليس فقط من طرف نيكولا ساركوزي، أن الوضع الاقتصادي في فرنسا ليس جيدا، وأن هؤلاء البضعة آلاف من اللاجئين الذين سوف يطلبون اللجوء الى فرنسا سوف يؤثرون على المالية العامة وسوف ينظر إليهم بشكل سلبي من قبل أولئك الذين هم في أشد الحاجة إلى المساعدات العمومية...

كارولين فوريست: خاصة إذا قدمت لهم شروحات بهذا الشكل. والحقيقة هي أنه على عكس الدكتاتوريات، فمنطقيا بلد الدفاع عن حقوق الإنسان لديه ميزانية لاستضافة اللاجئين السياسيين. هذه المساعدات العمومية لا يمكن أن تنافس غيرها من المصاريف. إلا إذا تم اعتبار أن بلدنا هو جزيرة يمكنها ربح المال بالتوفير على حساب العالم.
فالأزمة المالية لعام 2008، أيضا، كانت مكلفة. وحرائق الغابات مكلفة أيضا. ولكن هذا شيء وارد. ولن يخطر ببال أحد أن يفسر لنا أنه علينا اقتطاع اجرة رجال المطافئ بدافع ان هذا المال يمكن أن يستخدم لبناء مسابح البلديات في كل مدننا. الحرب في سوريا، هو نفس الشيء. طالما لم يتم اخماد الحريق الذي شب في سوريا أو إريتريا، فعلينا استقبال اللاجئين.
كما سبق أن فعلنا مرات عديدة في تاريخنا بالنسبة للاجئي القوارب أو اللاجئين الاسبان الفارين من الحرب الأهلية ونظام فرانكو. كانت التدفقات أكثر أهمية من الآن، حيث وصل التدفق إلى 450000 لاجئ، هبّوا إلى فرنسا في يوم واحد.
فرنسا، التي لم تكن في فضاء الشنغن حينها، فشلت في إعادتهم وركنهم في المخيمات. هل هو هذا ما نقترحه؟ أم سنقرر القول بأن أوروبا ستساعدنا على تسيير أفضل لهذه الأزمات، أكثر مما فعلت في الماضي. فبفضلها لن نتنافس مع جيراننا لمعالجة هذا الامور. وبفضلها يمكننا التنسيق لاستقبال اللاجئين وتلقي مساعدات أوروبية للقيام بذلك.

غيوم ايرنير :  وهذا وَهْم آخر، كارولين، هو أنه على عكس اللاجئين الإسبان، حيث لا وجود لهذا الخطر، يخشى البعض من أن هذه الحركات تسمح للإرهابيين من التسلل. بل الصفر خطر، الذي لا وجود له حسب رأيك؟

كارولين فوريست: بالطبع لا. الخطر من أن تنظيم القاعدة أو داعشيرسلان الإرهابيين في صورة اللاجئين قائم. حتى انه سوف يكون تخطيط ذكي جدا من قبلهم. وستكون بكل تأكيد منجم ثراء بالنسبة لليمين المتطرف. ولكن الإرهابيون لا يحتاجون الى هذه الفروع في أوروبا لضربها. فهم بنفسهم أوروبيين ولديهم أوراق تثبت ذلك. بل سيكون أكثر خطرا عليهم ويكون سبيلهم محفوف بالمخاطر ان تم إرسالهم عن طريق هذه الفروع. لأنهم يمكنهم الغرق أو يتم انكشاف أمرهم من قبل اللاجئين الآخرين. فإن هؤلاء السوريين الذين يفرون من الإسلاميين، يتعرّفون عليهم بسهولة.

وهذا هو الحال بالنسبة لطالب اللجوء وصل الى منزل الاستقبال براندنبورغ. كان يتباهى بقتاله الى جانب الدولة الإسلامية. فتم تصويره من قبل اللاجئين بواسطة هاتف محمول وقاموا بالتبليغ عنه لدى الشرطة.
ان هذا هو ما يجب قوله بدلا من الكذب على الفرنسيين. إغلاق أبوابنا أمام اللاجئين لن يمنع وقوع هجمات أخرى. فخيانة مبادئنا لا تحمينا. على العكس من ذلك. سوف تجعلنا ممقوتين أكثر، وبالتالي أكثر عرضة لدعاية الدولة الاسلامية. سوف نستنكر لأنفسنا مرتين. مرة بكوننا لم نعد بلد حقوق الإنسان ومرة بترك الفارين من الدولة الإسلامية، يواجهون مصيرهم لوحدهم.

كارولين فوريست

فرنسا الثقافة France culture، 21 سبتمبر 2015.


Fantasmes et surenchère politique sur le dos... par

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

الأصدقاء الأصوليون لجيريمي كوربن




هل يجب أن نبتهج لانتصار جيريمي كوربن؟ فاليسار الراديكالي يتحدث عن " زلزال" سياسي، بينما آخرون يعتبرون هذا الحدث عكس ذلك تماما، فهو بمثابة انتحار سياسي على حدّ قولهم.

ابداء الرأي في هذا الموضوع يتوقف على تحديد زاوية وجهة نظر عند الحديث على جيريمي كوربن. إذا تحدثنا من وجهة نظر اقتصادية محضة، على غرار ما يفعله غالبية الصحف، فانتصاره أمر يُحتفى به. كونه دليلا قاطعا على تواجد يسار قادر على الدفاع عن دولة الرفاهية في إنجلترا.

غير ان الزعيم الجديد لحزب العمال يعارض بشدّة سياسة التّقشّف. بل إنه يدعو إلى إعادة تأميم قطاع الطاقة والسكك الحديدية. مما يبعث الروح ويجدد النّشاط بعد سنوات مديدة من رفع الضوابط التنظيمية وتتالي عمليات الخصخصة تحت حكم مارغريت تاتشر أو طوني بلير.

لقد قضى نتخاب جيريمي كوربن على تيار بْلير أو ما قد يسمى بالبْليرية. إشارة إلى أنه بعد توالي حزبي سيريزا (ائتلاف اليسار الراديكالي) وبوديموس (حركة قادرون)، يمكن أن نحلم ببريطانيا عظمى لا تفكر بتعطيل أوروبا السياسية، بل على العكس من ذلك تماما، فهي تُشجع على خوض سياسة حقيقية للنهوض بأوروبا. وقد يبعث هذا الأمر السرور في النفوس لو كان هذا هو الوضع الحالي. غير أن هذا الانتصار أمرا مخادعا.

إن انتخاب جيريمي كوربن لن يقضي على البْليرية، ولكنه سيجعل اليسار الانجليزي يغوص في غيبوبة طويلة الأمد.  فبتزعمه حزب العمال، وما إن يتعرّف عامة الناس على البعض من مواقفه حتى يمكّن حزب المحافظين من الاستيلاء على الحكم في 10 داوننغ ستريت لسنوات طوال.

دعم لضحايا مكافحة ... الإرهاب
إن المحافظين مبتهجون من الآن لفكرة مواجهته، ذلك أن الرجل قد راكم من المواقف المثيرة المشكوك في أمرها على مر السنين. ولا يتعلق الأمر هنا بمواقفه الاقتصادية.
هذه السياسة البديلة الطموحة، التي تجري عكس تيار الكثير من الانجليزيين، تستحق أن تُناقش وان يُدافع عنها. ولكن الأمر يتعلق بمواقفه المتخذة فيما يتعلق بالسياسة الدولية وحرية التعبير والإرهاب. وهي مواضيع يتم أحيانا التقليل من شأنها في خضم التعليق السياسي، بالرغم انها في غاية الأهمية.
تخشى بعض الجمعيات علاقات كوربن بمساندي نظرية المؤامرة وبالمعادين للسامية على سبيل المثال. فهناك من يسميهم " أصدقاءه" من قادة حماس وحزب الله، يشترك معهم في الكثير من المحافل موضحاً أنه من دواعي سروره وفخره.
أما المحيطون بكوربن فيدافعون عنه موضحين أنه لم يكن يعرف القناعات التحريفية ومنكري المحرقة لأثنين من أصدقائه، وأنه يسمي الجميع " أصدقاءه".
ومع ذلك فإنه يمتلك مكتبا عند أصدقائه في جامع فنسبوري، إحدى جوامع أوروبا الأكثر راديكالية، تم انتزاعها مؤخرا من قبل الإخوان المسلمين من بين أيدي الجهاديين... "مكان رائع" على حد تعبيره.

وهو يدعم أيضا جمعية كاج، المنشأة من قبل إسلامويين لدعم ضحايا مكافحة الإرهاب. نعم لقد سمعتم بشكل صحيح، ضحايا مكافحة الإرهاب وليس ضحايا الإرهاب. إنها مسألة أولويات.

 اليسار " المندمج " مع المتطرفين
لا نزال في إطار المواقف المشبوهة، فإن كوربن يعطي عن طيب خاطر مقابلات للتلفزيون الإيراني ولقناة روسيا اليوم، قناة دعاية النظام الروسي المفضلة لديه. بل إنه وصفها بأنها القناة الأكثر "موضوعية" في المشهد الإعلامي السمعي البصري. الأمر الذي يكشف جليا ومطوّلا عن رؤيته للعالم.

لقد تظاهر سنة 2006 ضد نشر رسومات للنبي محمد رُفقة الأصوليين الإنجليز الذين يبدو أمامهم إسلاميون فرنسا طوباويين ومندفعين من جيل الثمانية والستين. فيما عدا ذلك، فإنه يشعر بالأسف الشديد لما حدث في 7 يناير.

باختصار، فإن جيريمي كوربن هو نتاج صرف لذلك اليسار الراديكالي المتودد لأسوأ المتطرفين في الكوكب، مدفوعاً بروح التمرد أو بمعاداة الأمريكية بشكل بدائي.

أولويته ليست التقليل من عدم المساواة بقدر ما هي دعم لسياسة تعدد الثقافات "المندمجة ". وهو مصطلح جذاب يجب ترجمته بالانضمام إلى النموذج التّجمُّعي الانكلوساكسوني، الملائم جداً لخلق أجواء المنافسة بين مجتمعات ذات استثناءات أصولية، على حساب المساواة بين الرجال والنساء أو على حساب العلمانية.

وإنه لمن المؤسف أن نقول إن مثل هذه الشّبهات لم تؤثر سلبيا عليه لحظة انتخابه على رأس حزب العمال. ولكن ما هو مؤكّد: أن هذا سيتم استذكاره وسيكون خطأ قاضيا في وجهة نظر الرأي الانجليزي عند حلول الانتخابات الوطنية.

ليس لجيريمي كوربن أدنى حظ في إقناع جمهور عريض
إذا كان اليسار العمّالي يريد أن يظل في المعارضة، فلقد أحسن الاختيار. فبالنسبة لبعض أنصاره يعتبرون هذا الأمر ليس أصلاً سيئاً للغاية. فعندما يكون المرء يساريا حتى النخاع وليس تقدميا، فإن الهدف من حملته ليس إقناع أكبر عدد ممكن بالانضمام إلى التقدّم، ولكن أن يكون على صواب، وحده ضد الجميع، وأن يستطيع هكذا الحفاظ على صفائه.

وفي هذا المجال، يمكن لأولئك المدافعين عن يسار راديكالي متحالف مع الأصوليين والطغاة على الصعيد الدولي، أن يطمئنوا تماماً. فطالما يظلون عاجزين عن طرح بديل اقتصادي دون التخلّي عن تلك اشكال التّساهل أو عن غض النظر عن الأصوليين والحكام المستبدين، فلن يخاطروا ابدا بتوسيخ أيديهم عند إمساكهم مقاليد الحكم.

وبالرغم من الأزمة، وكلّ من ينفخ في أشرعتها، فإن هذا اليسار الراديكالي لن يستقطب أبداً اليسار الديمقراطي. في حقبة زمنيّة موسومة بمخاطر الهجمات، لا يعمل هذا اليسار إلا على الدّفع الى الأمام باليمين المتطرّف، دون أن تكون لديه أية فرصة في أن يؤثّر ايجابيا على مصير أوروبا إلا وهو على حافة هاوية أو في دور فزاعة. 

كارولين فوريست