الاثنين، 28 ديسمبر 2015

الآثار السلبية لإسقاط الجنسية

لن يتم تطبيق هذا الاجراء إلا في حالات النادرة جدا. فقي لن يكون لها أثار رادعة أو وقائية في مكافحة الإرهاب ... فلن تكون آثارها الا ضارة ومؤدية.
فالآثار الأولى، التي أبرزها مارك تريفيديك، هي المخاطرة بأن تقوم دول أخرى بتقليدنا. فيقوموا بالتخلص أيضا من الإرهابيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية. فسوف وبدون شك نسترد اكث ممن قد نقوم بطردهم.
الآثار السلبية الثانية هو الانشقاق الذي قد يحدث. ليس في البلد والذي يدعم إلى حد كبير هذا الإجراء، ولكن اليسار.
لن تتمكن من ابتلاع مثل هذا الإجراء الرمزي دون السعال. فسعالها قوي. وان أرادت أن تتخلى بصفات ملائكية وتقطع الصلة بالرأي العام. ولكن هناك العديد من الأصوات يمينية تقوم بالسعال أيضا. باتريك ديفيدجيان، على سبيل المثال، لا يرى الا العيوب فقط. ولكن من جهة اليمين لا يعتبر هذا التصرف ملائكي وانما ينظر إليها على أنه مكمل للروح.
فسوف يستنفد اليسار قواته في معارضة هذا الاجراء الذي يعتبره الفرنسيين مشروع تماما في ظل حالة الحرب التي أغرقنا فيها الإرهاب.

الدفاع عن حق الارض
وعلى الرغم من هذا السياق الرهيب، يقوض هذا التدبير الاستثنائي بالمس في حق أساسي ودائم: هو حق الارض. إنه يعطي الشعور لحاملي الجنسيتين أنهم مستهدفين. كما تحيي الذاكرة المصعوقة لأولئك الذين لديهم تاريخ عائلي مسكون بمطاردة المواطنين سيئين، سواء اليهود أو الأرمينيين.
المقارنة مع فيشي هي في أي حال مجازفة، إن لم تكن مخجلة. نحن بحاجة الى التذكير بأن في فيشي، كان آلاف من اليهود محرمين من جنسيتهم بسبب العنصرية ... وليس للإرهاب. وإذا تم تطبيق منطق الحرمان من الجنسية في فيشي، فله تاريخ أكثر جمهوري حتى الآن. لقد نشأت في عام 1848 لاستهداف الفرنسيين الذين يستمرون في ممارسة تجارة الرقيق على الرغم من إلغاء الرق.
وفي بلجيكا، اسقاط الجنسية سمحت بابعاد ليون دوغريل ، و المحكوم عليه بالإعدام غيابيا لمساهمته في الجرائم النازية، والذي انتهى بحصوله على الجنسية الاسبانية بعد مفاوضات طويلة بين السلطات البلجيكية ونظام فرانكو.

امتداد لا يجب ادخاله في الدستور
فالحرمان من الجنسية ليس في حد ذاته دائما اجراء مخجل. حتى نواب اليسار اقترحوا تطبيقه، مؤخرا في حق لثنائية مزدوجي الجنسية الفرنسية البلجيكية أو الفرنسية السويسرية، وذلك بسبب ممارسة التهرب من الضرائب ...
علينا أن نتذكر أيضا، كما يفعل باتريك ويل في رو 89 (Rue89)، أن اسقاط الجنسية موجود لدينا بالفعل في القانون المدني منذ 1938 ويمكن أن يستهدف أي لفرنسي في الواقع يتصرف باسم مواطن بلد آخر. كان هذا أساسا في وقت أنصار النظام النازي.
ويعارض باتريك ويل بشدة ادخال تفسير واسع في الدستور، وبالتالي الرفع من احتمال خطورته. فكالعديد من الأصوات الأخرى. لأن هذا الإجراء لا يحقق أي شيء جيد. إن لم يكن الفتنة والمشاعر الجياشة التي لا داعي لها. إلا أن الحكومة استمرت ووقّعت.

العناد السياسي
في مؤتمر فرساي، أراد الرئيس مد اليد الى جميع الأطراف السياسية والاستماع الى جميع المقترحات. السوار الكتروني للسجلات الحاملة علامة إيس S أو اسقاط الجنسية للإرهابيين المولودين في فرنسا. تدبير لم يرده فقط حزب الايف إين، بل اليمين أيضا.
عندما مرت العاطفة، كان من حق الحكومة القيام بعملية الجرد. لم يقبل هذه الفكرة السخيفة التي تطالب بوضع سوار الكتروني لجميع الأشخاص ذوي السجلات الحاملين لعلامة ايس S (الذين نريد مراقبتهم في كثير من الأحيان دون علمهم!). ويمكن أن يفسر لماذا لم يود برمجة هذه التدابير الغوغائية وعالية الخطورة في الدستور.
لكن المعارضة بدأت في الصراخ. تم الصياح بالاستسلام والرضوخ. إضافة إلى أن 94٪ من الشعب الفرنسي ساند هذا التدبير. لا حضوا نتيجة أرقام الجبهة الوطنية، وقارنوها بأرقام يسار اليسار، وسوف تفهمون لماذا اختار الرئيس مواجهة عاصفة يساره بدلا من اليمين.
وذلك لكي لا يتراجع ويكرس صورة حكومة الوحدة الوطنية. فهو الذي يعرف الاستماع الى البلاد وتجاوز تسميته الحزبية والحكم في الوسط، كما دعا له أغلبية الفرنسيين.

الخيار الأفضل و "التدهور الجمهوري"
في بلد أقل صدمة او قادر على الوصول الى توافق أفضل، قد يحصل إجراء آخر على الإجماع. وقد يكون اكثر فعالية.
وهذا ما يقترحه قريب من مانويل فالس مكلف بإعداد تقريرا عن التدهور الوطني: النائب جان جاك أورفواس الذي نقل عن مؤرخ قانوني، جان لوي هالبرين، انه مقتنع بأن أفضل طريقة تبقى "التدهور الجمهوري".
هذا الاجراء ممكن في حالة ارتكاب جرائم القتل مع التعذيب أو الاغتصاب في حق القاصرين أو عن طريق جماعة منظمة، قد تكون مقرونة بفقدان الحقوق المدنية والحكم النهائي عليه بالسجن مدى الحياة. هذا لن يعني فقط عدد قليل من مزدوجي الجنسية، ولكن كل الفرنسيين المدانين نهائيا في قضية الإرهاب.
ربما حان الوقت للتفكير في ذلك. لو لبرلماني اليمين واليسار استعداد في التعاون، قد يستطيعوا أن يفرضوه على الحكومة وطرح هذا الاجراء الواقي الذي لم يعرضه مجلس الدولة.
ستكون اشارة مطمئنة للحيوية والنضج الديمقراطي والبرلماني. ولكن ربما وهمية قليلا.
كارولين فوريست

28/12/2015

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

المواطنة بدلا من حالة الطوارئ


حالة الطوارئ، بحكم تعريفها، لا تدوم. حتى في الديمقراطيات المنتقدَة، يجب أن تظل تدبيرا استثنائيا.




نحن لا نستطيع أن نعيش إلى الأبد في حالة تأهب قصوى. يجب علينا رفع حالة الطوارئ بين مخاطرتين وشيكتين، وإلا فإن هذا التدبير يفقد معناه. فلن تبقى للحكومة تدابير لافتة وقوية ورمزية، تعلن عنها في حالة حدوث هجوم آخر.
ومع ذلك، ومن دون انتظار الموعد النهائي المتعاقد عليه في اتفاقية فرساي، أوحوا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على حد السواء أن حالة الطوارئ لن تُرفع إلا بعد مرور ثلاثة أشهر.

إعلان سابق لأوانه
هذه القضايا قد تبدو سهلت التناول وحتى من السهل إصدار الاحكام في حقها انطلاقا من أريكة مريحة بالمقارنة مع كراسي القائمين على حمايتنا.
يبقى الإعلان عن تمديد حالة الطوارئ، في حين أنها لا تزال قائمة، وتستند يوما بعد يوم على توافق ضعيف وجِد نِسبي، فهو يخاطر بهشاشة الوحدة السياسية حول هذه التدابير ، ذات الحزم و الشدة الاستثنائيين.
قد نتفهم المخاطر السياسية. فاليوم الذي تتخّذ فيه الحكومة، وبجرأة، قرار رفع حالة الطوارئ ونُصاب حينها بهجوم مرة أخرى، فستقوم المعارضة، واليمين المتطرف بالنداء بلامسوؤلية الجنائية. ويطالبون باستقالة الحكومة. كما أن المواطنين سوف يظنون أن الحكومة قللت من شأن خطر التهديد.
ومع ذلك، فإن حالة الطوارئ لا تساعد بالضرورة على منع وقوع هجمات. فتبقى نوعية وقيمة المعلومات الممدودة هي التي تلعب دورا حاسما. كما ان قوانيننا العادية، المألوفة، تسمح لوقف مجموعة قد يُشتبه فيهم فرضية القيام بهجوم إرهابي وشيك.
وتسمح حالة الطوارئ بالخصوص فرض الاقامة الجبرية على المشتبه بهم، وتسهيل عمليات البحث وحظر مظاهرات صعبة التأمين.
إذا كنا نتفهم أن عمليات التفتيش شملت الأيام الأولى البحث عن أسلحة، فهي تفقد مغزاها مع مرور الوقت وفوات لحظة الاحساس بالمفاجأة. كما أن عليها ان تتصدى لخطر تجاوزات الشرطة التي من شأنها أن تضر التوافق كما انها تحتاج، هي بذاتها، الى تحقيق.
أحكام الإقامة الجبرية لا يمكن أن تستمر. فالعديد من الأشخاص المعنية بهذه التدابير الوقائية الصارمة والمناهضة للحرية ترفع الدعاوي وتربحها بسهولة.
ومع مرور الوقت، فإنه من الأنسب ملاحقة أولئك الذين يقومون بالتحريض على الكراهية والإرهاب ورصد إن كانوا بالاتصال بجماعة إرهابية أم لا. ولكنه هذا الامر مكلِّف جدا، كما نعلم. وعندما نفتقر الى موارد، فربما حالة الطوارئ تسمح لنا التغلب على هذا الأمر وذلك على حساب الأداء المرغوب فيه لديمقراطيتنا: الحق في قرينة البراءة، وحرية التنقل والحق الأساسي في التظاهر. ومن هنا ضرورة تفضيل إيجاز فترة حالة الطوارئ.
وهناك جانبا آخر، له دلالة رمزية وسياسية في نفس الوقت، مما يجعل تمديد حالة الطوارئ الى أجل غير مسمى أمر ذو حساسية مفرطة.
فحالة حظر التجول في حالات الطوارئ تذكرنا بالحقبة الاستعمارية. وبالتالي فهي رافعة قوية للدعاية ضد الجمهورية والتي يستخدمها الإسلامَيين ومنظمات الضحايا لكونها تُقُصِّر عليهم الطريق المنشود. وفي بعض الأحيان، بتواطؤ مع منظمات قديرة وموقرة كمنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان مثلا.

منظمات حقوق الإنسان غير مسموعة
إن هذه المنظمات هُم يقومون بدورهم، وبطبيعة الحال، ينددون بحالة الطوارئ. ولكن هذه التحذيرات قد لا يُكترث بها عندما تعطي الانطباع بالاحتجاج بطريقة "بافلوفية" واندفاعية، بغض النظر عن السياق.
وقد نَدد العديد من نشطاء حقوق الإنسان "باتريوت قانون الفرنسية"   عندما لم تكن حالة الطوارئ موجودة ولم تُتّخذ أي إجراءات جدية بصدد الإرهاب. اما اليوم، وخطر هذا الانجراف موجود، فهي تُندد بحالة الطوارئ بشراكة مع منظمة إسلاموية أو مؤيدة للإسلامويين، الذين يقضون وقتهم في تقديم الأعذار للمتعصبين والمتطرفين.
ليس فقط بسبب منظمات مثل رابطة حقوق الإنسان  التي تتكون من المحامين الذين دافعوا عن الإرهابيين الجزائريين وتعاونوا منذ سنوات مع نشطاء الإخوان المسلمين.
وأيضا لأن هذه المنظمات، مثل منظمة العفو أو رابطة حقوق الإنسان ، صُمِّمت للوقوف في وجه الدول، وليس في وجه مجموعات استبدادية وإرهابية. ولكن إذا حكمنا على دولة من خلال ردِّ فعلها، دون استحضار الخطر الذي تواجهه، فسوف نجد أنفسنا في موقف هزلي إلى حد ما، بالتنديد بدولة تدافع عن نفسها ... وإغفال التنديد بتلك التي تمثل خطورة أشد لنهوضها ضد الحريات.
فإنه ليس من قبيل المصادفة إن كانت هذه التنديدات لا تحقق أهدافها.
هناك على ما يبدو توافق حقيقي وجمهوري حول امتداد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، من دون تمديد، ما لم يحدث هجوم جديد. ولكن ذلك يتطلب شيء من المواطنة والنضج الديمقراطي الحقيقين.
هل نحن قادرين على ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب طرحه، ليس فقط على قادتنا.

إسقاط الجنسية

اسقاط الجنسية على إرهابي ولد في فرنسا ذو جنسية مزدوجة، نقطة استفهام. كان فرانسوا هولاند عند ذكرها في فرساي، لإبراز استعداده للاستماع إلى جميع الأطراف وتأهبه لاتِّخاذ جميع القرارات التي يراها مناسبة. لكن بعيدا عن الاجواء العاطفية، فعلى الحكمة والعقل التَذكُّر أن هذا الإجراء يخُصُّ بعض الحالات النادرة دون غيرها، وإن دوافعها ليست أمنية محضة وإنها قد تعرض الى الخطر وبجدية، مفهومنا للحق في الأرض.
لا يمكننا المخاطرة، بسبب عشرة إرهابيين، بفتح الباب أمام المواطنة الثانوية كما لا يمكننا فتح النافذة للرياح السيئة التي قد يأتي بها التصعيد السياسي.
وبما أنه يجب المعارضة ولأي سبب، وحتى معارضة اليسار الذي يستخدم الصرامة الشديدة ضد الإرهاب، فقد اقترح برنار دوبريه للتو إلغاء تماما مبدأ الجنسية المزدوجة.
وفي هذه اللحظة الفريدة، تبقى المواطنة والتحلي ببرودة الدم هم الخصال التي نحن في حاجة اليها مستقبلا.

كارولين فوريست

الاثنين، 14 ديسمبر 2015

انتصار الجبهة الجمهورية المواطنة، درس للأحزاب


لقد نجحت الجبهة الجمهورية للمواطنين. بفضل المواطنين الذين أدركوا أنه في دولة ديمقراطية، علينا معرفة التصويت "ضد" بقدر معرفة التصويت ل"صالح". وبفضلهم استيقظت فرنسا هذا الصباح مطمئنة. إذ تمت الحماية الجزئية للميزانيات الاجتماعية والثقافية للجهات. وتم حفظ صورة فرنسا في الخارج.
هذه المقاومة تُكذِّب كل الذين يعلنون منذ أشهر بأن "شيطنة" الجبهة الوطنية لا جدوى منها. فبالعكس تماما. ان "شيطنة"، وابتذال الجبهة الوطنية، لا ينفع. بل من شأنه أن تخول لها الفوز بالجهات إذا لم يتعبأ مواطني الضفتين خوفا من أفكارها ومما تُمثِّله. إذا لم يتم التحذير على الدوام من عُنصريتها المقيتة، ومن طابعها الشِّبه جمهوري وديمقراطي.
هذه ليست "شيطنة" -على نحو التعبير الذي يفرضه الإيف إين FN - ولكنها مقاومة. انها ليست معادية للديمقراطية، كما شرح البعض. بل عكس ذلك تماما. هي علامة على وجود يقظة ديمقراطية.


دروس اليمين ودروس اليسار

خريطة فرنسا لن تكون هي نفسها، لافي الشمال ولا في الجنوب خاصة، إذا لم يقم اليسار على تقديم تضحية حقيقية. وإذا لم تقبل توافقاته من توفير كل الفرص لمواطني الجبهة الجمهورية، بسحب مرشحيها. وهنا مرة أخرى، علينا ان لا نستعمل مكونات لغة الإيف إين. هذا هو عكس مكيدة سياسية. الدفاع عن مبدأ والتركيز على المدى الطويل، مقابل التخلي عن مناصب في المدى القصير. وفي العمق، هذا هو ما ننتظره من السياسات.



   Victoire du Front républicain citoyen : une... par franceculture


فأولئك الذين اتخذوا على عاتقهم الحق في التصويت على اليمين لوضع حد للجبهة الوطنية، ينتظرون من اليمين أن يتذكرهم. وقد فضَّل البعض في اليسار البقاء "طاهرا". فلم يصوت ضد الإيف إين.
هؤلاء يتساءلون ما إذا كان لا يزال هناك فرق بين اليمين فوق الساركوزي واليمين المتطرف. انهم ليسوا مخطئين على الورق. لكنهم نَسِيُو إدراج معطيات قد تُغير كل شيء في السياسة: انه كل ما لم يتم اعلانه او الافصاح به.
عندما يستخدم منتخب الحزب الجمهوري كلمات قوية عن الهجرة أو الإسلام، فهو في كثير من الأحيان عبارة عن استفزاز كلامي يهدف إلى اطعام التصويت لصالح الجبهة الوطنية، والذي سوف يتجاوز ما يفكر به حينما يُنتخب. أما عندما يقول منتخب الجبهة الوطنية نفس الشيء فما يحدث هو العكس تماما. ستكون نسخة مُلَطَّفة مما يفكر ويفعل إذا فاز حزبه بالانتخاب الأعلى. لذلك فلا يُشبه بتاتا 
التصويت لصالح كزافييه برتران تصويت لمارين لوبان.

أسباب فشل اليسار في إيل-دو-فرانس
وهذا درس آخر في هذه الجولة الثانية. انه فشل لائحة قادها كلود بارتولون في إيل-دو-فرانس، حيث كان اليسار مُتَّحدا، وكان لديه كل الفرص للنجاح.
وقد يكون ربما أيضا سبب خسارة هذه الانتخابات. يقال كثيرا أنه يجب على اليسار الاتحاد لتحقيق الفوز. هذا صحيح. ولكن ليس بأي ثمن. ليس على حساب الاضطرار إلى التعامل مع مرشحين أو تيارات تغازل الطائفية المتطرفة وترفض صرامة الحكومة في تعاطيها مع ملف الإرهاب. وهي واحدة من المفاتيح التي تفسر صمود قوائم اليسار في الانتخابات.
وقد أعطت كليمنتين أوتان في الليلة الماضية على قناة تي إيف 1  دروسا للجميع وللحكومة دون أخد العبرة منها هي لنفسها. ومع ذلك، فمن خلال تحالفها مع الحزب الاشتراكي حصلت على ولاية في سين سان دوني. وربما قد خسر الحزب الاشتراكي بسببها في إيل-دو-فرانس.
وقد انتهت المرحلة النهائية من الحملة في جو مُكهرب. والسبب زلة لسان كلود بارتولون ضد فاليري بيكريس، الذي يبدو أنه لم يفرق بينها وبين نادين مورانو، متهما إياها بالدفاع عن "العرق الأبيض"، ربما قد لم تكن هذه الزلة مدوية إن لم يكن ينوي التملق للتيار الطائفي لحلفائه.
وهذا انزلاق قد من المحتمل ألاّ يخلف أصداء إذا لم يقم تيار كليمنتين أوتان في نفس ذاك الوقت، وهو"العمل الجماعي"، بإعلان عن اجتماع تجمع الذين يدعون دائما أنهم ضحايا بمعية الاسلاموي طارق رمضان وأصدقائه. أولئك الذين ليسوا لا"تشارلي ولا باريس." أوجه منبودة استغلت قاعة، منحت لهم من قبل العمودية الشيوعية لسانت دينيس، للدعوة لعدم التصويت لصالح اليسار بسبب سياسته في مكافحة الإرهاب. وبسبب هذا، لم يصوت الفرانسيليين العلمانيين، بما في ذلك علمانيي سانت دينيس، لصالح اليسار. وان كان ذلك على حساب السماح لفاليري بيكريس و 14 من مرشحي "المظاهرة للجميع" من النجاح...
كان الدرس قاس، ولكن اكد سوء التقدير ليسار راديكالي يحلم بفوز سيريزا الاغريقي أو حزب بوديموس الاسباني. هذا لن يحدث في فرنسا التي هي معرضة أكثر للخطر الدائم للهجمات من خطر الإفلاس. إذا كان اليسار الراديكالي يريد أن يعطي الدروس الاقتصادية ليسار الحكومة، يجب أن يتوقف أولا من "غمز" المتطرفين الذين تعتبرهم من المعذبين في الأرض، بينما هم يهددون مثالية التقدم ويهددون حياتنا.

أما اليمين، فعلى العكس، عليه أن يتوقف من المزايدات العنصرية لإغواء الإيف إين. هذا هو الدرس العظيم للأحزاب السياسية. فالجبهة الجمهورية للمواطنين لن تدوم وقتا طويلا. وللقيام بالحد المستديم لصعود اليمين المتطرف، يجب علينا الرفع من مستوى النقاش العام وتوضيحه. فنحن بحاجة إلى يمين يدافع عن الأخُوَّة. ويسار يدافع عن العلمانية.

في ذلك اليوم، يمكننا اخيرا أن نأمل في التصويت لصالح المشاريع الاقتصادية التي تمييز حقا اليمين من اليسار. وسنكون مجدَّدا في سلام.


الأحد، 22 نوفمبر 2015

طارق رمضان وحسن الترابي


إذا كانت هناك دولة إفريقية يعرفها طارق رمضان حسن المعرفة فهي دولة السودان، حيث تعتبر منظمة "الإغاثة الإسلامية" المنظمة الوحيدة التي سُمح لها في التسعينيات بفتح مكتبها بهذا البلد. وهي السنوات التي بلغ فيها حسن الترابي كامل ذروته كالرجل القوي للنظام السوداني ويطلق عليه اسم " بابا الاسلاميين". ففي عام 1994 اضطر الترابي على التخلي عن "كارلوس" والسماح للمخابرات الفرنسية باختطافه. وفي عام 1996 وافق على طرد أسامه بن لادن.

وفي الوقت نفسه أصبحت الخرطوم ملاذا للإرهابيين ومع ذلك كان الترابي يرأس وينظم كل عام المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي والذي هو نوع من كتلة كبيرة لتوحيد القوميين والاسلاميين ومكان للالتقاء بمجموعة من المتطرفين المؤيدين لفلسطين وخصوصا الاسلاميين المتشددين ومجموعه من الفيس FIS   والارهابيين المعروفين وينتهي الحفل الختامي دوما بمجموعة من الانتحاريين ومجموعات أخرى من الإرهابيين الذين يحملون الكلاشنكوف ويصرخون "الموت لإسرائيل".  وكان طارق رمضان حاضر في هذا الاحتفال في ديسمبر/ كانون الاول من عام 1993 . حيث قام بالتعرف على بعض الصحفيين ويذكر أحدهم انه صادف شاباً لطيفا ً جدا ً يحترمه الاسلاميون لعلاقته العائلية مع البنا.

 ومنذ سنتين تناقلت مواقع وشبكات الاخوان المسلمين لقاءات وندوات طارق رمضان حيث بدأ ينال نصيبه من الشهرة داخل المجتمع الاسلامي المغلق.

فيأخذ الترابي هو الآخر تدخلات طارق رمضان على محمل الجد حيث يصفه بأنه يمثل مستقبل الاسلام، اما طارق رمضان حينما عاد، قال في الصحافة الأوروبية انه يدافع عن " بابا الإسلاميين" وقال عن الترابي "لقد كان الترابي دائما معتدلا" (1).


(1) نشرت هذه مقابلة في: لويزا توسكانا، الإسلام: قومية آخرى،'هارماتان، 1995 صفحه 205.
6 لا كورير 7 يناير 1995
 كارولين فوريست




طارق رمضان: العالم الثالث بواسطة الاسلاميين

يحب طارق رمضان دوما، عندما يسأله الصحفيون حول مسيرته، ان يقدم نفسه بأنه "مسلم العالم الثالث" الذي تخرج من مدرسة أعمال الاغاثة والمساعدات الانسانية حتى تعتبره من بين الناشطين جنبا الى جنب مع النقابات والمنظمات اليسارية وهو دائم الحديث عن منظمة (يد العون) Coup de Main  وهي جمعية أنشأها مع زملائه المعلمين عندما تم تعينه في احدى المدارس الثانوية في سويسرا في الثمانينات من القرن الماضي.

كان هدف هذه الجمعية نبيلا جدا ويستحق الثناء حيث انها كانت تشجع الطلبة على التصرف بمسؤولية وتنمي لديهم روح التضامن والأخوة ولا سيما مع الثقافات الاخرى.

كانت المنظمة التعليمية في جنيف تمول هذه الجمعية وتوفر لطارق رمضان ومجموعة من الطلبة الذين كانوا معه،  فرصة السفر الى مالي و التبت والسنغال والهند وبوركينا فاسو والبرازيل. وكمدرس في مدارس الثانوية وفرت له عدة لقاءات مع الأخت ايمانويل، الأم تيريزا، الدالاي لاما، ادمون كايزر، هيوبرت ريفز، ألبرت جاكار، غي جيلبرت، رينيه دومون، و القس بيير ودوم هيلدر كامارا احد الناشطين في جمعية تحرير الاهوت وكانت في المفروض معظمها لقاءات قصيرة جدا ولكنهم فهموه واخذ وقته في الكلام.

لم يُفوّت طارق رمضان أية فرصة للحديث عن هذه اللقاءات، مصورا نفسه على انه الرحالة القادم من العالم الثالث لكي يضع يده في يد اليساريين المسيحين، ويؤكد دوما أنه مع دوم هيلدر كامارا، من أجل وضع الخطوط العريضة للمقارنة بين الاخوان المسلمين وجمعية تحرير اللاهوت التي يرأسها.

وقد أنشأت جمعية تحرير اللاهوت هذه في سياق معين، وهو بهدف مقاومة الديكتاتوريات العسكرية، الفاشية أو الشيوعية في أمريكا اللاتينية في أواخر الستينات وتحولت قِبلة هذه المنظمة من رسالة المسيح للدّفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية إلى حركة أوسع لليسار الراديكالي التي قد تخلت عن دورها كنظام سياسي في خدمة المبادئ.

ويمكن لجماعة الاخوان المسلمين ان تعطي نفس هذا الانطباع ... إذا استثنينا من ذلك انها تريد اسقاط الديكتاتورية العسكرية وحل محلها ديكتاتورية ثيوقراطية دينية، وحياة اجتماعية تصادر الحريات الفردية حيث يمنع الاختلاط وتفرض هيمنة الحجاب على المرأة، وتُضطهد الأقليات الجنسية، وكل ذلك باسم الشريعة! ان هذا هو الفشل بعينه. فالمقارنة بين الإخوان المسلمين مع لاهوت التحرير هي مقارنة سخيفة كما هو سخيف الاعتقاد بان طارق رمضان هو ماركسي لأنه يدعم العالم الثالث.

يقول رمضان انه كان يعمل جنبا إلى جنب مع منظمات مثل أ.ت.د ATD العالم الرابع أو أطباء بلا حدود ولكنه لم يشير الا ان التزامه هذا تم بالأساس بناءا على عمله مع هذه المنظمات الإسلامية مثل منظمة الإغاثة الإسلامية و ليس هناك أي اثر للعلاقات الإنسانية في هذه الاعمال ولكنها تشكل هيكلا هدفه نشر الديانة الإسلامية من خلال هذه المساعدات الإنسانية.3
ويترأس هذه الجمعية هاني البنا. فالاسم يذكرنا بالجماعة، لكن طارق رمضان يقول إن هذا هو من قبيل الصدفة وإن الرجل ليس لديه علاقة مع عائلته وهذا من شأنه أن يجعلنا نرجح الاعتقاد بأنه لا يعمل مع الإغاثة الإسلامية ولا قرابة له مع هاني البنا وهذا الخطأ يسمح له بالتشكيك بمصداقية اي تحقيق يذكًّر علاقته بجماعة الاخوان.

وأحيانا يذهب الانكار الى ما هو ابعد من علاقته مع هاني البنا بجماعة الاخوان. حيث ظهر مقال في 29 يناير 2004، لسيرج رافي في نوفيل أوبسيرفتور Nouvel Observateur يتفاجأ فيه الجميع برسالة من محامي هاني البنا يقول فيها بان موكله لا يعرف طارق رمضان. وهذا في حد ذاته شيء مدهش… خاصة عندما نتذكر أن صحيفة ديلي ترست كتبت في مقال بتاريخ 27 نوفمبر 2003 عن مؤتمر نظمه مجلس المسلمين في بريطانيا حيث تحدث هاني البنا وطارق رمضان جنبا إلى جنب!

كان لديهم أيضا فرصة مرة أخرى لالتقاء ببعضهم في المؤتمر السنوي للFOSIS، واتحاد طلاب الجمعية الإسلامية لبريطانيا يومي 17 و 20 يونيو 2004 في جامعة نوتنجهام. وحتى قبل ذلك في مؤتمر كان قبلة جمهور المسلمين في سنة 1999، أكد طارق رمضان حينها بنفسه أن الفضل يرجع اليه فيما يتعلق بالتعاون بين المركز الإسلامي في جنيف والإغاثة الإسلامية في جزر الريونيون!
"وقد شاركت شخصيا بصفتي مسؤولا عن مكتب منظمة الإغاثة الإسلامية كما تعلمون وقمت بإنجاز عملا تضامنيا عظيم مع الإغاثة الإسلامية في جنيف اشتغلت معهم وكنت مسؤولا عن المكتب هناك". كما ان طارق رمضان  يدعو المسلمين دوما الى عدم الالتفات وراء الشائعات التي تنتشر عن طريق "وسائل الاعلام الغربية والتي يكون هدفها دوما " تشويه سمعة الجمعية4 "
كارولين فوريست

3 عبد الرحمن غندور، والمسح الجهاد الإنساني للمنظمات غير الحكومية الإسلامية، باريس، فلاماريون، 2002
4 شريط تسجيل لطارق رمضان "خطايا كبيرة"، المسجلة في جزيرة ريونيون في أغسطس 1999، QA 4 التوحيد








الاثنين، 16 نوفمبر 2015

موتانا هم دفاعنا عن النفس





كما حدث يوم 11 يناير من بداية هذه السنة، توحد الفرنسيون وتضامنوا بعدما تعرضوا لهذا الهجوم الجبان والوحشي. ولكن سرعان ما سمعنا أصواتا متضاربة بسبب عقلية منحرفة او شبه متمردة. الاّ إذا كانت تلك الاصوات ناتجة اعراض ستوكهولم، فسوف تجدون دائما بعض الاصوات تتعالى مستعدة لتقديم تبريرات للقتلة.

أصبحت مهمتهم أكثر تعقيدا الآن ولكن "مواردهم" لا تنقص.

عندما ذبح الإرهابيون الجزائريون جزائريين في الجزائر، قيل لنا أنه يجب ألّا نلومهم. لأنهم تعرضوا للاضطهاد من قبل الجيش والسلطة.

عندما جاء الإسلاميون إلى الحكم في تونس ومصر، تاركين الجهاديين يهددون أولئك الذين لا يفكرون مثلهم، لم يكن من الضروري علينا أن نتأثر، احتراما للديمقراطية.

عندما بدأ الإرهابيون يقتلون اليهود في فرنسا، لأنهم يهود وفرنسيون، لم يذرف البعض أي دمعة عليهم لأن الإسرائيليون يضطهدون الفلسطينيين.

عندما قتل الإرهابيون جنود فرنسيين من أصل عربي، لأنهم عساكر وفرنسيون، لم نبكيهم بشكل خاص بحجة أن فرنسا كانت في السابق دولة مُستعمرة.

عندما قتل الإرهابيون رسامي الكاريكاتير والصحفيين في مجلة تشارلي ايبدو لأنها دافعت عن الحق في الازدراء وحرية السخرية من الإرهاب، تعالت الأصوات حينها لتفسر لنا أننا لا يجب أن " نكون تشارلي" وأن 11 يناير مجرد خدعة.

الآن عندما أصبح الإرهابيون يقصدون الجميع، من متابعي كرة القدم، والذين يرغبون شرب كأس على شرفة مطعم أو الاستماع إلى الموسيقى، فماذا يمكن لهم أن يبتكروا بعد ذلك؟ لقد وجدوا. وبسرعة. وبسرعة فائقة هذه المرة. لقد قرروا أن الخطأ راجع الى تدخلنا في سوريا.

بسبب "حروبنا" الخارجية ضد "الإسلام السياسي"، وفقا لميشيل أونفراي وحزب مناهضة الرأسمالية الجديدNPA.   وبسبب "الإسلاموفوبيا" في بلاذنا، وبسبب قانوننا فيما يخص الرموز الدينية في المدارس العمومية، وفق تيار ليزانديجان الجمهورية  أومجلة الغارديان.

إذن فأخطاؤنا هي التي تقتلنا لأننا نحب المساواة والعلمانية وحرية التعبير. فخطأنا أننا ندافع سلميا عندما تهُدّد حقوقنا وعسكريا عندما نُعلن الحرب.

هذه الإيقاعات ليست فقط لا مبادئ لها، بل تُسلّح الإرهابيين، وتُسهّل تجنيدهم، وتجعلنا هدفا لهم. إنها ترديدات من المتعاونيين، والمساعدين، الذين يقومون بلعبة دعائية، الهدف منها تدميرنا.

هل نحن في حالة حرب؟
ما هو مؤكد هو أن فرنسا لم تعد في حالة سلم. أعلنت مجموعة إرهابية والتي أصبحت دولة، اعلنت الحرب علينا. أرسلت جنودها لارتكاب جرائم حرب على أرضنا. والأهم من ذلك، أن الدولة الإسلامية لا تستهدفنا بسبب ما نقوم به ولكن بسبب ما نُمثّله. بلد حر، علماني، ويحب الحياة. هذا ما كُتب بشكل واضح في بيان تبنى اعتداءات 13 نوفمبر. وهذا التعبير يغيّر كل شيء.
الحرب في العراق التي كنا على حق في عدم المشاركة بها، لم يكن لها علاقة ب 11 سبتمبر وكانت خارج القانون الدولي. بينما التدخل في سوريا بحد ذاته، يتناسب والمعايير الدولية للدفاع عن النفس.

على الروس الانضمام إلينا، وليس العكس
ماذا عن الأصوات الأخرى التي ترتفع... أولئك الذين، باسم هذا الدفاع عن النفس، يقترحون التخلي عن تحفظنا عن بشار الأسد والانضمام إلى الروس؟

فليغيروا توجّههم هم أيضا. ليس علينا نحن أن نتحالف مع الروس لدعم بشار الأسد. بل على الروس الانضمام إلينا لمحاربة الدولة الإسلامية. بدلا من جعل من بين الأولوياتها، قصف الجماعات المتمردة المعتدلة.
الرهان على بشار الأسد، كما يطلب منا الروس وحلفائهم من الجبهة الوطنية، لن يساعد على محاربة الدولة الإسلامية، ولكن من شأنه أن يبرر أكثر استهدافنا.

الدفاع من دون بشار الأسد
القيام بضرب بلدنا، الذي رفض الحرب على العراق ويحارب في حالة دفاع عن النفس في سوريا، من دون الوقوف بجانب دكتاتور دموي، ليس له معنى إلاّ من قبل متطرفي الدولة الإسلامية.
قد يكون ضرب بلد يُعتبر داعم لبشار الأسد ومجازره الجماعية له معنا. وهذا هو بالضبط الاستقطاب الذي يرغب به داعش: أن تكون وحيداً ضد الكل، جميع الديمقراطيات في نفس السلة مع جلاد دمشق. انه فخ. نحن نخسر ميزتنا المعنوية وداعش تحصل على سلطة الإغواء والتجنيد المكثف من بين أبناء المسلمين والأوروبيين. أولئك الذين يتعاطفون مع ضحايا بشار الأسد ويشعرون بانهم غير مرغوب فيهم.

الجبهة الوطنية تستضعفنا
هناك فخ آخر: الوقوع في العنصرية التي تغذي أعدائنا وبالتالي اعتبار أن الجبهة الوطنية قد تمثل عدة جهات من فرنسا، وهكذا تدعم صورتها الخارجية وتعزز دعايتها.
إنه الخيار التي توفره لنا ديمقراطيتنا الانتخابية، وبالتالي فهو حق. لكنه الخيار الذي سوف يكسر تماسكنا الوطني وسوف يضعفنا أكثر من أي وقت مضى في هذه الحرب. حرب هي على حد سواء عسكرية وفكرية ونفسية.
http://www.dailymotion.com/video/x3dzrw2_nos-morts-notre-legitime-defense_news






الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

الراسبون في عملية "وطنيي الضواحي" الإيف إين

"الإيف إين FN في عملية لاسترداد ضواحي المدن." هذا هو عنوان التقرير الصادر عن فرنسا 3 مكرس لمجموعة جديدة لمجرة جبهة "وطنيي الضواحي". ملصقات من وجه شاب لماريان، بقبعة حمراء، تبدو فيها سمراء. ولكن اطمئن، فهي ليست دعوة إلى تمازج الأجناس. كما يوضح رئيس "وطنيي الضواحي جوردان برديلا ، عندما يشرح مشروعه، فليس ذلك دفاعا عن ضاحية " أسود أبيض مهجن " ولكن عن ضاحية أزرق أبيض وأحمر. كما لو كان هذا الشيء متناقض.
فبمعية ويران سان جوست ، المرشح الإيف إين FN ، استدْعت قوات تابعة "لوطنيي الضواحي " الصحافة للقيام بعملية تواصل في ستين، في سين سان دوني.

وعند الفجر، صورتهم الكاميرات وهي متوترة قليلا وهم يضعون إكليل من الزهور بمناسبة ذكرى وفاة أربع ضحايا الهجمات خلال أعمال الشغب في نوفمبر 2005. وكانوا ملوحين بلافتات بالأبيض والأسود: "أنا شيناديك" و je suis Chenadec" . اسم أحد الضحايا. انه رجل يبلغ من العمر 61 عاما، و قد تلقّى لكمة بينما كان يحاول اطفاء حريق في قمامة. فسقط في غيبوبة وتوفي بعد ذلك بعدة أيام.
فالرسالة كانت واضحة. بعد أيام قُضيت بالتذكير بزايد  وبونا والخوف من العنف الذي تمارسه الشرطة، قام الإيف إيفين FN بتوجيه خطابه للذين يعانون من العنف في الأحياء الفقيرة.

وضعية لإيف إيفين FN سيئة للتبليغ عن العنف

لا يسمح وضع الإيف إيفين  لتقديم الدروس في مكافحة العنف في الضواحي. فهو نادرا ما يتأثر عندما يُضرب الصحفيين في الشارع، كما كان عليه الحال عند مناقشة موضوع الزواج بالنسبة للجميع، وأحيانا من قبل مؤيديه. فمرشحيه يستميلون الى تأييد اللكمات. كما يوافقون على العنف الذي طال الناشطين فيمن  من قبل حراس الأمن وضربهم عند قيامهم بعمليتهم في كنيسة نوتردام.

لم يكف ويراند دي سانت جوست، وهو أيضا يمارس مهنة المحاماة، عن اصدار تغريداته باستمرار ضد هذا الحكم. فبالنسبة له، من الواضح أن التجديف الرمزي للفيمن، اللواتي لم يُكسّرن شيء، أكثر خطورة من العنف الجسدي الذي مارسه الحراس عليهن وتركوهن مغطّاة بالكدمات.

لا بد من الإشارة هنا أنه قبل ان يصف نفسه بجمهوري وعلماني، وقبل ان يترشح للانتخابات، فقد كان فويرلند دي سانت جوست، ولمدة طويلة، من المناضلين التقليديين الكاثوليكيين.

فهو أيضا اقتحم الكنائس بصوت عال عندما كان شابا ... ولكن برفقة الأصوليين، لاحتلال سان نيكولا دو شاردونيه St  . وبعد ذلك كان عضوا نشيطا جدا في "المسيحية والتضامن" و. جمعيتين معارضتين لحق الإجهاض ومصدر شكاوى عديدة ضد عروض وأفلام اعتُبرت مسيئة للدين، وبالطبع ضد مجلة شارلي ابدو. شكاوي ترافع فيها ويراند دي سانت جوست بنفسه.

و الآن وهو مقرب من مارين لوبين عليه تهدئة خطاباته. ليس الى درجة الإنكار.

الحملة ضد لبنى مليان

وكالعديد من المرشحين الجبهة ، والمرشحين مارينيست  فهو يشارك عن طيب خاطر في التُّهم التي توجه الى لبنى مليان. فلم يفت على الربيع الفرنسية وويراند دي سانت جوست توجيه اللوم لمرشحة الحزب الاشتراكي في إيسون لمجرد أنها ناضلت في الماضي من أجل فيمن.
"وجودها في القائمة الخاصة بكم، كما كتب لكلود بارتولون  ، هي صفعة لجميع أولئك الذين يحترمون المشاعر الدينية !" ورافق تغريداته البائسة بصورة من المفترض أن لبنى مليان تظهر فيها خلال تدخل الفيمين في نوتردام ... وهي لم تكن حاضرة حينذاك لأنها لم تعد ناشطة مع فيمن في ذلك الوقت. إنه أسلوب يشبه الأساليب السوفياتية ...


كارولين فوريست 

الاثنين، 2 نوفمبر 2015

وسائل الإعلام في مواجهة التطرف


https://carolinefourest.wordpress.com/2015/11/09/les-medias-face-aux-extremes/

لم تعد تحتكر وسائل الإعلام النقاش العام. بل لعل هذا الوضع من خصائص عصرنا. فيمكن لأي شخص أن يتكلم، وحتى ان يصرخ في أي وقت على الإنترنت. فبنقرة واحدة، بمدونة، او تغريدة. وهذا امر يمكن استحسانه.
فمن وجهة النظر هذه، أفرط عصرنا في الديمقراطي بل أصبحت دمقرطة عصرنا فوق العادة. إنها تعاني من الرقابة الذاتية خوفا من الشتائم والتهديدات، ولكنها لا تعاني من رقابة الدولة. وهذا على أي حال ما يحدث في فرنسا. نحن نعيش حالة انفجار الكلمات. فهي غير منظمة ومسترسلة وفي بعض الأحيان عنيفة.
وفي هذا السياق، أليس على وسائل الإعلام لعب دور المصفاة؟ والإعطاء المزيد من القوة للكلام الهادئ، ذلك الكلام الذي يثقف أو يوضِّح، او يسمح التفكير بنضج أو التأني أو اتخاذ مواقف بطريقة منظمة ومهيكلة؟
فما يحدث في الوقت الراهن، هو عكس ذلك. فعالم الصحافة، كعالم السياسة، يخضع لضغوط قوية "للرتقاء" إلى ما هو آني وعنيف، تحت تأثير قانون "البوز"

السرعة التي تسهل الدعاية
لن نعود الى الوراء، وهذا غير مستحب. فعلينا أن نتحرك مع العصر، مع هذه السرعة، وحتى مع هذا العنف، ولكن يجب علينا ترويضه. وتطوير التفكير النقدي القادر على الفرز والتحقيق ;والتدقيق دائما بسرعة متزايدة. نحن لا نزال نتعلم.
بينما نأخذ الوقت للتأقلم، فالدعاة يلعبون يوميا بالصحفيين الغير المتخصصين أو الغير مدربين، الذين يُطلب منهم معالجة كل المواضيع بدون استثناء و في وقت قياسي ، وكثيرا منهم ما يغرقون أو ينساقون وراء روايات تروى لهم أو حكايات تحكى لهم، وراء سرد سلس جدا، و حتى قصة جاهزة ... وإن كانت مفبركة أو مصطنعة.
نحن نعيش في زمن حيث الحزب الأكثر سياسي في فرنسا، الأكثر سخرية، والأكثر طغيان، وأقل شفافية، والأكثر تعصبا للنقد وحرية الصحافة، يعطي دروسا لآخرين وفي جميع القنوات في الديمقراطية، في حرية التعبير و "الأيدي النظيفة" و " الهامة العالية ".
نحن نعيش في وقت حيث معادي السامية يُعتبرون مناهضين للعنصرية، و حيث الردود اللاذعة العنصرية تعتبر ردود العلمانية، وحيث الوطنيين يدافعون عن حق التدخل لروسيا، وحيث التقدميين يقومون بحماية الظلامية من الانتقادات ... في عصر حيث مجنوني المؤامرات هم أصوات الحقيقة، والصحفيين هم الكذابون....

حماية الديمقراطية من مُعاديي الديمقراطية
كيف يمكننا محاربة هذه الادعاءات الكاذبة عندما يكون أحد منا صحفيا دون اتهامه على الفور بالدفاع عن "النظام"، وهو القدح المفضل عند معاديي الديمقراطية؟
فعلينا التحمل. فدور الهيئات الوسيطة هو حماية النظام الديمقراطي، وهذا يعني المصلحة للجميع، ضد أولئك الذين يريدون تحويل هذا النظام الى مصلحة خاصة.
يجب على وسائل الإعلام ألا "يصطف" على الإنترنت، ويصبح أضخم منتدى الإيجابيات والسلبيات، لكل شيء ولكل لا شيء أو للعدم. فليس للصحفي ان يكون مجرد مقدم برامج، ولا حتى حكم، وضابط الوقت والايقاع كالساعة. خمس دقائق للخبراء مقابل خمس دقائق لمن ليس لهم دراية بشيء. خمس دقائق للديمقراطيين وخمس دقائق لمعاديي الديمقراطية.
فعلى هذه الوتيرة، من إيقاع كاذب الى نصف إيقاع كاذب، سيصبح احترام الديمقراطية مجرد رأي ... قبل أن يصبح خيارا.
ولهذا يجب التردد والتفكير جليا قبل تقديم منصّات، ومكبرات صوت، وحصائر لدعاة الكراهية والعنصرية، والمتطرفين والمستبدين، والمرشحين للا شيء، وكل ما يجعلهم يزدهرون في السماد الذي يزرعونه.

صحافة المواطنة
وفي مواجهتهم، علينا رفض الصحافة النسبية المحايدة، صحافة التنازل، والكسل الفكري والثقافي. كلّ ما كان العصر قلقا ومتوترا، كلما عليه النفور من المعادلات الخاطئة، وتحديد الأولويات، والتأطير، والتنبيه الى العمق التاريخي، وتوسيع الأفاق بفضل كل ما هو دولي وعالمي.
هذا لا يعني أساسا الوقوع في فخ الخبرة النخبوية، المنقطعة عن العالم أو المملّة. فهي الأخرى قد تكون مضلّلة ... وقد تموه نقطها العمياء وراء تسمية الجامعة، وحتى تقديم المواقف اللوبية تحت طلاء لامع ونظيف لمركز الأبحاث الخاصة.
وفي بعض الأحيان، وأخيرا، يمكننا تلقي الدعاة والدهماء. إذا كانوا يمثلون تيار آراء قوية حيث لا جدوى في تجاهله، فمن الأفضل الاستماع إليهم ومواجهتهم. باسم التعددية والقواعد التي تفرضها CSA عندما يكون لديهم النباهة لتشكيل أحزاب يستفيدون من سخاء الديمقراطية لمحاربتها بشكل أفضل من الداخل.
ولكن بعد ذلك يجب العمل أكثر من ذلك. يجب التفكير في آليات، مكونة من عروض محكمة، ومحررين مؤدبين، ومن زملاء حرصين ومسؤولين مكلفين بفحص كل حقيقة أو كل رقم في "قاعة التحكم" régie.
وهذا يتطلب كثير من الوقت والموارد وكثير من الطاقة. ولكن هذه الطاقة هي ما تميّز الصحافة عن الاستعراض. وهي ما تفرق بين المناقشة من الطواعية والانهزام.

الأحد، 27 سبتمبر 2015

كارولين فوريست: الأصوليون سيجلبون لفرنسا اليمين الدكتاتوري

الكاتبة والإعلامية الفرنسية تدعو إلى عدم الخلط بين التعددية الثقافية كمذهب والتعدد الثقافي كأمر واقع.
العرب حميد زناز

كارولين فوريست من أهم الإعلاميات الفرنسيات، كاتبة سيناريو ومديرة مجلة بروشوا، كتبت عمودا بجريدة لوموند لمدة 5 سنوات كما درست مدة أربع سنوات في جامعة العلوم السياسية الشهيرة بباريس. نالت كتبها جوائز كثيرة من بينها الجائزة الوطنية للعلمانية وجائزة الكتاب السياسي. وهي اليوم عرضة لعنف اليمين المتطرف والإسلاميين والمتطرفين الكاثوليك وقد تم الاعتداء عليها ومنعها من إلقاء محاضرات من طرف هذا الثالوث العنيف. نشرت مؤلفات كثيرة لافتة حول اليمين المتطرف والأصولية من أهمها “العلمانية على محك الأصوليات: اليهودية، المسيحية والإسلام”، “الأخ طارق: استراتيجية ومنهج طارق رمضان”، “الإغواء الظلامي”، “مارين لوبان، بلا قناع”، “اليوتوبيا الأخيرة”، و”حينما يكون اليسار
جسورا”.

الجديد: يجد الأجانب وخاصة العرب منهم صعوبة في فهم ظاهرة تأسلم وتعصب الكثير من الشبان الفرنسيين! فكيف تحول هؤلاء إلى متطرفين في جمهورية علمانية؟

كارولين فوريست: في الحقيقة يسمح العيش في جمهورية علمانية بضمان حقوق الذين يرغبون أن يعيشوا أحرارا، ولكن لا يمكن أن يفعل شيئا ضد الذين، هم أنفسهم، يريدون أن يعيشوا عبيدا. العلمانية تحمي حرية الضمير وعلى الخصوص حرية الأقليات الدينية، عكس ما هو حاصل في البلدان التي تطبق قانون دين سائد. هنا لا تُقصى الأقليات ويمكنها رفع دعوى قضائية في حال ما إذا مارس أحدهم التمييز ضدها. ولئن كان هذا الإطار الديمقراطي مثاليا بالنسبة إلى الأغلبية، فهو فاشل مثل الدكتاتوريات، وربما أكثر حينما يتعلق الأمر بأفراد يستفيدون ويستغلون هذه الحرية من أجل قمع الآخرين والخضوع لنظام أيديولوجي عنيف يعتبرونه أعلى شأنا من الديمقراطية العلمانية. وهي حالة المتعصبين. وخلافا لما كتبه الصحافيون الأميركيون والبريطانيون غداة الهجوم الدامي على جريدة شارلي إيبدو بباريس، فإن المتعصبين والإرهابيين يمكن أن يولدوا في كل المجتمعات، عربية وأوروبية، خاصة منذ أن أصبحت الشبكات الإرهابية تجند عن طريق الانترنيت.

الجديد: ولكن الأمر مستفحل بفرنسا؟

كارولين فوريست: بما أن فرنسا هي البلد الأوروبي الذي يعيش فيه أكبر عدد من المواطنين من ذوي الثقافة الإسلامية، فمن البداهة أن يكون هذا البلد معرضا أكثر من غيره لظاهرة التشدد الديني ومن هنا يبرز ذلك العدد المرتفع للشبان الذين يميلون إلى التطرف مستغلين الدين الإسلامي. وأغلبهم، أي حوالي 80 بالمئة، تطرفوا عن طريق الشبكة العنكبوتية. بمعنى من خلال مواقع وفيديوهات دعاية ودجالين يدّعُون المعرفة الفقهية قد مارسوا عليهم الـتأثير وغسل الدماغ عن بعد.

موظفو داعش

الجديد: هل ينحدرون من أحياء فقيرة مهمشة كما يقول الإعلام؟

كارولين فوريست: على عكس الصورة التي تقدم دائما على أن الشاب المتطرف بائس وضحية التهميش وعلى أنه فريسة غلاة وطوائف، فليس كل هؤلاء المتشددين قد عانوا من التمييز أو من البطالة أو عاشوا طفولة فظيعة كما نقرأ ونسمع. فبعضهم له وظيفة وعائلة ولكن كلهم ودون شك يرغبون في حياة أكثر إثارة من الحياة التي يعيشون، إما لأنهم غير مستقرين نفسيا أو لأنهم غير راضين على الدوام عن حياتهم. لهؤلاء تقترح داعش السفر والمرتّب دون القيام بعمل حقيقي، إمكانية لمس واستعمال الأسلحة الأوتوماتيكية، الإحساس بالتفوق على الجميع وخاصة التمكن من اغتصاب وامتلاك فتيات كجوارٍ وماكينات جنس. لا يهتم هؤلاء المجرمون بالجانب الروحي وليس ذلك محركهم على الإطلاق. لو كانوا من أصل إيطالي، كان يمكن أيضا أن يلتحقوا بالمافيا التي بنت إمبراطورية الجريمة. وبما أنهم من أصول إسلامية، فإنهم يشعرون أحيانا بعجز في الإغواء والنجاح بسبب هذا الانتساب. وفي نظرهم ستُحوّل داعش دونيّتهم إلى ميزة ولن يعودوا في حاجة إلى أن يكونوا ذوي مواهب ومثابرين أو مُغرين. يكفيهم أن يقولوا بأنهم مسلمون أكثر من الآخرين وأنهم قساة بلا رحمة. وهو أمر في متناول أي شخص تقريبا.



التلاعب بالقاصرات

الجديد: وبالنسبة إلى الفتيات، كيف يتطرفن ويتجندن في صفوف الإرهابيين؟

كارولين فوريست: تشتغل دعاية الأصوليين بشكل مغاير مع الفتيات إذ يلعب مجندو داعش على وتر تعاطفهن الإنساني ورغبتهن في تقديم المساعدة أمام المأساة التي تعيشها سوريا، كما يستغلون بحث المراهقات على فرصة تجربة علاقة حب كبيرة وكثيرا ما يصبح رجلا لم تره المراهقة على الإطلاق صديقا حميما لها على شبكة التواصل الاجتماعي، فيلاطفها ويجعلها تؤمن بالحب الكبير ليوقعها في الفخ ولكي تصبح في واقع الأمر مومسا.

الجديد: ماذا تفعل السلطات الفرنسية أمام هذا التلاعب بعقول القاصرات؟

كارولين فوريست: لا نظام ديمقراطيا يمكن أن يزعم بأن له حلا سحريا لتفادي هذه التقنية التي تضلل الفتيات إذ هذا الشكل من التلاعب يمارسه المتاجرون بأجساد الفتيات منذ عصور. ولكن النظام الجمهوري العلماني يسمح لنا بالسيطرة على التطرف الديني غير الإجرامي كما تسمح لنا العلمانية أن نكون أرض لجوء لكل الذين يرفضون العيش تحت نير القوانين الدينية الخانقة للحريات. كما حدث لكثير من الجزائريين الذين فروا سنوات التسعينات تحت تهديد الإسلاميين أو الإيرانيين الذين هربوا من الدكتاتورية. ولكن الأسوأ هو أن نتخيل أنهم يمكن أن يموتوا جراء عنف آت من جنون أفراد كان لهم الحظ في أن يولدوا في بلد علماني. ولكن تبقى هذه الانحرافات قليلة جدا: بعض مئات من المجانين بين مليونين إلى ثلاثة ملايين مسلم من أصل إسلامي يعيشون بسلام في فرنسا ويحترمون علمانيتها.

الإسلام والتعصب

الجديد: يرى الباحث في الحركات الإسلامية، أوليفييه روا، أن الشبان المتعصبين في فرنسا وأوروبا هم عدميون جدد، ما رأيك؟

كارولين فوريست: من ناحية نعم، ولكنهم أقل تطورا، كان العدميون أكثر ثقافة. فلئن كانت للرؤوس المفكرة الأصولية أيديولوجيا، فأغلبية هؤلاء الشبان هم مستخدمون كأجساد تتلقى الضربات أو لتقوم باعتداءات وترتكب جرائم. وأغلبهم ليس له أدنى اطّلاع ولم يقرأ سوى بعض فتاوى على شبكة الإنترنت. وهم مضطرون قبل ارتكاب الجرائم الإرهابية إلى مشاهدة الفيديوهات ليجمعوا بعض شجاعة أو يتناولون المخدرات. كل هذا من أجل وَهْمِ الحصول على حياة جنسية في الجنة.

الجديد: كيف تَردّين على بعض المحللين الذين يرون أن الإسلاموية هي بنت شرعية للإسلام؟

كارولين فوريست: من العبث أن نخلط بين الإسلام كدين وهذا المرض، وكذلك من العبث أيضا نفي وجود أدني علاقة بين الدين والتعصب. أكيد مثلا أن كارل ماركس ليس مسؤولا عن الجرائم الذي ارتكبها ستالين ولكن من يستطيع القول بأن ستالين لم يكن شيوعيا ولم يتصرف باسم الشيوعية؟ وبما أن هناك مسيحيين ومسلمين ويهودا يعيشون إيمانهم بطريقة مسالمة هادئة ومحترمة للآخر، فيمكن إذن أن تُفهم تلك الديانات بهذا المعنى وفي بعض الأحيان رغم نصوصها الأصلية. ولكن من البديهي أن تبذل جهود تأويلية كبيرة مرفقة بكثير من البعد الإنساني كي يتم تجنب ذلك التفكير الذي يعتبر نفسه أعلى وأصدق من غيره. فمن يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة يمكن أن يصبح مضطهدا للآخر. ومن هذا المنظور، تبقى كل ديانة مهددة بإنجاب التطرف إذ تقديس فكرة، هو جعلها غير قابلة للنقاش، وبالتالي غير متوافقة مع مبدأ العيش مع الآخرين الذين يفكّرون بشكل مخالف وهو أمر مناقض للديمقراطية.

في كل اعتداء أصولي تزداد أسهم الدكتاتورية قيمة، في فرنسا يمكن أن يكون حزب الجبهة الوطنية وجها للدكتاتورية ويعرف الجهاديون ذلك جيدا ولا يكترثون للأمر

قارة مختلطة

الجديد: لقد ولّى زمن الاندماج، حسب بعض المحللين، وآن الأوان للاعتراف بالتعددية الثقافية في فرنسا. ما هو موقفك من هذا الطرح؟

كارولين فوريست: لا ينبغي الخلط بين التعددية الثقافية كمذهب والذي يعني تطبيق القانون بشكل مخالف حسب أصل وثقافة وديانة الشخص والتعدد الثقافي الذي هو أمر واقع: أوروبا قارة مختلطة يعيش على أرضها مواطنون من أصول وديانات مختلفة جدا وفي أغلب الأحيان بشكل منسجم للغاية وخاصة إذا ما نظرنا إلى الطريقة التي تعامل بها الأقليات في مناطق أخرى من العالم. لقد كانت العنصرية ما بعد الكولونيالية في طريقها إلى الزوال تقريبا بين الأجيال الجديدة الأوروبية حينما بدأ الإرهاب باسم الإسلام يضرب في أوروبا وأميركا. أمام هذا العنف ومواجهة الإرهاب، علاوة على مصاعب الأزمة الاقتصادية بدأت رغبة الانكفاء على الذات تتصاعد في أوروبا ومحاولة غلق الحدود، كأنه من السهولة العودة إلى الوراء والتشبث بثقافة واحدة. الأحادية الثقافية أمر مستحيل في أوروبا. نحن علمانيون وبالتالي فنحن متفتحون على كل الثقافات.

هدية سماوية

الجديد: يذهب بعض المعلقين إلى القول إن التطرف الإسلاموي في فرنسا وأوروبا بشكل عام هو بمثابة هدية نزلت من السماء بين أيدي اليمين المتطرف وأن هذا الأخير قادر على الوصول إلى الحكم مستخدما التهديد الإسلاموي.

كارولين فوريست: هو خطر جدي فعلا. صورة المؤمنين المسلمين وهم يغلقون الشوارع من أجل الصلاة وصورة رئيس شركة أعطى فرصة عمل لمسلم فقطع هذا الأخير رأسه بعد أسابيع، قتل صحفيين بجريدة شارلي إيبدو نددوا بالعنصرية والتطرف عن طريق الهزل.. كل تلك الجرائم كان هدفها إرعاب الناس. وأكيد حينما نخاف نرتمي بين أحضان الذي يصرخ أكثر وبشكل مستمر ضد من يعتدي علينا.

في كل اعتداء أصولي تزداد أسهم الدكتاتورية قيمة، في فرنسا يمكن أن يكون حزب الجبهة الوطنية وجها للدكتاتورية ويعرف الجهاديون ذلك جيدا ولا يكترثون للأمر، بالعكس هم يفضلون أن يكون لهم عدو منفّر وبغيض ليجندوا أكثر عددا من بين الشبان المسلمين. ومشروع الجهاديين ليس الثأر لضحايا العنصرية وإنما هو من أجل تجنيد رافضي العنصرية لاستخدامهم في محاولة توسيع دولة الخلافة في كل من العراق وسوريا. وهو مشروع استعماري سيفشل كما فشلت كل المشاريع الاستعمارية الأخرى.

*ينشر الحوار بالتعاون مع مجلة "الجديد" الشهرية الثقافية اللندنية

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

كفا مزايدة على ظهر المهاجرين !



غيوم ايرنير
 : هذا الاثنين، كارولين، تتطرقين الى هذه المبالغات المتزايدة التي تغمرنا حول اللاجئين. كاعتبار أن إغراءات الخدمات الاجتماعية هي التي تجتذبهم إلى فرنسا أو اعتبار أن منحهم هذا اللجوء ا من شأنه أن يزيد من خطر الهجمات الإرهابية.

كارولين فوريست: إذا توقفنا فقط عند اشاعات الإنترنت الحالية، ربما نجد حلا. لكن السياسيون ليسوا آخر من يحكي أي شيء حول اللاجئين.
إذا صدقنا نيكولا ساركوزي، فإننا سرعان ما سوف نكون "غارقين" بسبب منطقة شنغن. لأن عاجلا أم آجلا، حسب ما أوضحه: فسرعان ما سوف يدرك هؤلاء اللاجئين أن الخدمات الاجتماعية مميزة بكثير في فرنسا. لاحظوا أنه لم يقترح إيقاف المساعدات الاجتماعية لحمايتها بطريقة مؤكدة أو اقتصار اعادة النظر في فضاء الشنغن. فقد يكون لهذا الأمر وقع أكبر. بيد ان ألمانيا هي التي يرغب غالبية هؤلاء المهاجرين قصدها. وفي ألمانيا سوف يحصلون على اللجوء وبالتالي على المزايا اجتماعية. الخدمات الاجتماعية ليست حلوى نتلقاها عند السفر ...
كما لو كنا نقترح تعليق فضاء شنغن أو الخدمات الاجتماعية لمنع الناس الأكثر فقرا في أوروبا من قضاء عطلهم في فرنسا. هذا بهتان وخطير جدا.

غيوم ايرنير : على الرغم من ذلك، كارولين، سوف يُقال لك، ونحن نسمع الكثير من هذا القبيل، ليس فقط من طرف نيكولا ساركوزي، أن الوضع الاقتصادي في فرنسا ليس جيدا، وأن هؤلاء البضعة آلاف من اللاجئين الذين سوف يطلبون اللجوء الى فرنسا سوف يؤثرون على المالية العامة وسوف ينظر إليهم بشكل سلبي من قبل أولئك الذين هم في أشد الحاجة إلى المساعدات العمومية...

كارولين فوريست: خاصة إذا قدمت لهم شروحات بهذا الشكل. والحقيقة هي أنه على عكس الدكتاتوريات، فمنطقيا بلد الدفاع عن حقوق الإنسان لديه ميزانية لاستضافة اللاجئين السياسيين. هذه المساعدات العمومية لا يمكن أن تنافس غيرها من المصاريف. إلا إذا تم اعتبار أن بلدنا هو جزيرة يمكنها ربح المال بالتوفير على حساب العالم.
فالأزمة المالية لعام 2008، أيضا، كانت مكلفة. وحرائق الغابات مكلفة أيضا. ولكن هذا شيء وارد. ولن يخطر ببال أحد أن يفسر لنا أنه علينا اقتطاع اجرة رجال المطافئ بدافع ان هذا المال يمكن أن يستخدم لبناء مسابح البلديات في كل مدننا. الحرب في سوريا، هو نفس الشيء. طالما لم يتم اخماد الحريق الذي شب في سوريا أو إريتريا، فعلينا استقبال اللاجئين.
كما سبق أن فعلنا مرات عديدة في تاريخنا بالنسبة للاجئي القوارب أو اللاجئين الاسبان الفارين من الحرب الأهلية ونظام فرانكو. كانت التدفقات أكثر أهمية من الآن، حيث وصل التدفق إلى 450000 لاجئ، هبّوا إلى فرنسا في يوم واحد.
فرنسا، التي لم تكن في فضاء الشنغن حينها، فشلت في إعادتهم وركنهم في المخيمات. هل هو هذا ما نقترحه؟ أم سنقرر القول بأن أوروبا ستساعدنا على تسيير أفضل لهذه الأزمات، أكثر مما فعلت في الماضي. فبفضلها لن نتنافس مع جيراننا لمعالجة هذا الامور. وبفضلها يمكننا التنسيق لاستقبال اللاجئين وتلقي مساعدات أوروبية للقيام بذلك.

غيوم ايرنير :  وهذا وَهْم آخر، كارولين، هو أنه على عكس اللاجئين الإسبان، حيث لا وجود لهذا الخطر، يخشى البعض من أن هذه الحركات تسمح للإرهابيين من التسلل. بل الصفر خطر، الذي لا وجود له حسب رأيك؟

كارولين فوريست: بالطبع لا. الخطر من أن تنظيم القاعدة أو داعشيرسلان الإرهابيين في صورة اللاجئين قائم. حتى انه سوف يكون تخطيط ذكي جدا من قبلهم. وستكون بكل تأكيد منجم ثراء بالنسبة لليمين المتطرف. ولكن الإرهابيون لا يحتاجون الى هذه الفروع في أوروبا لضربها. فهم بنفسهم أوروبيين ولديهم أوراق تثبت ذلك. بل سيكون أكثر خطرا عليهم ويكون سبيلهم محفوف بالمخاطر ان تم إرسالهم عن طريق هذه الفروع. لأنهم يمكنهم الغرق أو يتم انكشاف أمرهم من قبل اللاجئين الآخرين. فإن هؤلاء السوريين الذين يفرون من الإسلاميين، يتعرّفون عليهم بسهولة.

وهذا هو الحال بالنسبة لطالب اللجوء وصل الى منزل الاستقبال براندنبورغ. كان يتباهى بقتاله الى جانب الدولة الإسلامية. فتم تصويره من قبل اللاجئين بواسطة هاتف محمول وقاموا بالتبليغ عنه لدى الشرطة.
ان هذا هو ما يجب قوله بدلا من الكذب على الفرنسيين. إغلاق أبوابنا أمام اللاجئين لن يمنع وقوع هجمات أخرى. فخيانة مبادئنا لا تحمينا. على العكس من ذلك. سوف تجعلنا ممقوتين أكثر، وبالتالي أكثر عرضة لدعاية الدولة الاسلامية. سوف نستنكر لأنفسنا مرتين. مرة بكوننا لم نعد بلد حقوق الإنسان ومرة بترك الفارين من الدولة الإسلامية، يواجهون مصيرهم لوحدهم.

كارولين فوريست

فرنسا الثقافة France culture، 21 سبتمبر 2015.


Fantasmes et surenchère politique sur le dos... par