السبت، 5 مايو 2012

من سد جمهوري إلى سد آخر





لوموند، 5 مايو2012

كان حزب اليمين يحلم بخصم مريح. يسار التراخي الى درجة التعاطف مع الطائفية والأصولية. وكانت مناوراته هذه، فرصته الوحيدة للفوز في الانتخابات. الهجوم على القِيم وقت دق ناقوس النتائج الاقتصادية. وكانت زاوية المواجهة جاهزة. جداول أوقات المسابح غير المختلطة، القوائم المنفصلة داخل مطاعم المدارس ... فيكفي ربط كل هذا مع تصويت الأجانب في الانتخابات البلدية لإشعال الفتيل. كان المناخ مواتيا: هجوم الإسلامويين و17.9٪ من المنتمين الى حزب مارين لوبين. أوشك الحريق أن يشتعل. كان من شأنه تشكيل شاشة دخان، أو، من يدري، قلب المفاهيم في الفترة الممتدة بين الجولتين. مع سرد حكاية بسيطة: ادعاء احتكار الشجاعة والعلمانية، لاضفاء طابع "حليف الإسلاموية" على حزب اليسار.

لم يُترك شيء في صالح خدمة ترديد هذه الانشودة. ولا حتى النداء المفترض والوهمي الصادر عن 700 مساجد، ولا إخراج طارق رمضان من الأدراج. فلابأس ان كان الكل أو الجزء الكبير من وحي الخيال ... وما إذا كان النداء الصادر عن 700 مسجد لم يصدر قط، ولكن بالمقابل قام الأصوليين بتوزيع منشورات تطالب بالتصويت ضد المرشح الاشتراكي. فلابأس إذا لم يدعم طارق رمضان فرانسوا هولاند، وإذا لم يثمن هولاند شخص وصفه " بالمفكر السويسري الذي يجهر بأطروحات لا تمت افكارنا بصلة ". ولايهم ان  وُضع حدّا لتوقيت المسابح غير المختلطة في مدينة ليل، ولكنها مازلت قائمة في بعض المدن المسيرة من قبل حزب اليمين الحاكم ... فكل هذا لا يهم...

لماذا؟ فحول هذه المواضيع، ولمدة عشر سنوات، يبدو حزب اليمين دائما أكثر مصداقية من حزب اليسار. حتى جاء يوم نقاش بين الدورتين عندما قام فرانسوا هولاند، وبكل وضوح، بالنطق بهذه الكلمات: "في ظل رئاستي، لن يكون هناك أي تجاوز لقواعد العلمانية". ففجأة رفع الضباب، ووجد حزب اليمين نفسه أمام سد استهانت بأهميته: اليسار الجمهوري والعلماني. اليسار الذي أراد التكريس الدستوري لقانون 1905 بينما أراد نيكولا ساركوزي "تنظيفها" باسم و"العلمانية الإيجابية" ملوحا بكون العلمانية الفرنسية سِلبية. يساريرفض ان تعلى كلمة الكاهن او القس أو الإمام على المعلم. بينما نيكولا ساركوزي يحلم بسرب من الكنائس والمدارس الدينية لتعزيز الانطواء الطائفي. ليس هذا فقط ولكن اليسار فاز معركته ضد اليسار الظلامي، الذي كان يحاول ان يجد ظروفَ التخفيف للأصولية. باسم التعددية الثقافية، أو معاداة الصهيونية أو الخوف من العنصرية. هذا اليسار موجودا، لكنه انهزم. انتخابيا وحتى فكريا. فقد صمد السد المانع. وتم احتوائ الإغراء الظلامي الذي جسّد خطر العقد الماضي.

غير انه هناك سد آخريُظهر علامات الضعف والهشاشة. ذلك الذي يُفرق بين اليمين الجمهوري واليمين المتطرف وإغراءه للانطواء الطائفي. ليس في خدمة الأصولية بل في خدمة العنصرية. فعلى حزب اليمين الجمهوري اثبات صموده. عليه ضرب موعد لنا لنعرف ما إذا كان يمكن للإغراء الظلامي تغذية الفتنة القومية. أم ان كليهما سوف يفشلان.

كارولين فوريست "عندما يتحلى اليسار بالشجاعة"

السبت، 28 أبريل 2012

اليمين المتطرف "غير المُعقّد"





لوموند، 28 أبريل 2012

يتمو
ْقع نجاح مارين لوبان في الأدهان أكثر مما يتموقع في الأرقام، فرئيسة حزب الجبهة الوطنية لم تحقق الهدف الذي قامت بتحديده والذي كانت على امل الوصول اليه: ان تكون مصنّفة الثانية. لقد استطاعت تعبأة 896000 صوتا أكثر مما استطاع والدها تعباته في الجولة الثانية سنة 2002. وهذا يعتبر دفعة قوية لمسارها، ونتيجة تاريخية، ولكن هذه الدفعة لا يمكن اعتبارها بمثابة "موجة مد" على رغم الرياح المواتية التي رافقتها ظيلة هذه الحملة الانتخابية.

ففي عام 2002، استفاد جان ماري لوبان من أجواء ما بعد 11 شتنبر ومن المشاعر التي تحركت اثر الاعتداء الرهيب الذي تعرض اليه رجل مسنّ. فبعد مرور عشر سنوات، تألقت ابنته بصورة أفضل بكثير في ظل مناخ مروع يخول لها الارتكاز على الأجواء التي خلقها. حدوث الازمة الاقتصادية التاريخية. فخيبة أمل ناخبين نيكولا ساركوزي، على الرغم من فترة ولاية امتدت على مدى خمس سنوات وحملة انتخابية ارتكزت أساسا على التملق لمواضيع ومصطلحات يتميّز بها اليمين المتطرف عن باقي الاحزاب. وأخيرا، وكتتويج لهذه الظروف الملائمة، حدوث الهجوم الاسلامويي. أفضل من ذلك، لقد قام أب لإرهابي بالتهديد بتقديم شكوى ضد فرنسا. وعلى الرغم من هذا الكوكتيل المتفجّر، لم تحصل مارين لوبان سوى على 896000 صوت أكثر من جان ماري لوبان ... بينما استقطب جان لوك ميلينشون ثقة 3.9 مليون فرنسي في حملة واحدة.

غير ان هذا الفارق يبقى مهما للغاية. فيمين اليمين يزن أكثر من يسار اليسار. فعلى ضوء كل ذلك، ومن هذه الزاوية،
أي زاوية الجبهة الوطنية، سوف يتم فحص اوجاع فرنسا الساخطة على الوضع، وبالألة المكبرة.

ففرنسا ممزقة، ومن الواضح منساقة أكثر الى رفض العولمة عن رفض الرأسمالية. حيث يختلط الخوف من ترحيل الشركات بالخوف من المهاجرين. كما لو ان ترك الابواب مفتوحة، من شانه اخراج الآلات وادخال الأشخاص، وبالتالي يشكلان كلاهما منافسة وتهديد في نفس الوقت لا بالنسبة للعمل ولا بالنسبة للحياة داخل المجتمع.

يجب ان نعلم ان  التصويت للجبهة الوطنية هو تصويت تجمّعي. تصويت فرنسا التي تحلم بالقلعة، وهي قادرة على الانطواء على نفسها، وعلى بعضها البعض وعدم سماع "ضجيج" الآخرين وكل مآسيهم وسوء أحوال الطقس. ففرنسا تحلم بالتحكم من جديد في قَدَرها وتعتقد ان باستطاعتها فعل ذلك بخروجها من العالم. الى درجة يبدو فيها البلوغ الى المستوى الأوروبي هدف غير قابل للتحقيق ولا للفهم وقليلا ما يستسغ الى نداء الشعوب.


وهذا الامر ليس افتراء، وليس من الصعب أن نتصور فرنسا تعترف باستمالتها لهذا الإغراء. فرنسا البوادي التي تشعر بنفسها بعيدة عن المدن. وفرنسا السفلى المتعطشة للانتقام من فرنسا العليا. وفرنسا المتقدمة في السن والتي تخاف من الشباب. وفرنسا الشبيبة الغاضبة من كونها سوف تعيش حياة أسوأ من مُسنّيها.

فهؤلاء الفرنسيين هم الذين نفخوا الرياح التي هبت في أشرعة مارين لوبان. ولكن ليس هذا هو الدرس الحقيقي الذي قد نستشفه من هذه الجولة الأولى. فعلينا ان نعلم ان الجبهة الوطنية لم تقف على الجولة الثانية لتحريك زلزال لن يستيقظ منه حزب اليمين. ان سد جاك شيراك سقط تماما لا في المصطلحات ولا في الادهان. بسبب استعمال عبارة حزب اليمين "غير المعقّد"، قام نيكولا ساركوزي وباتريك بويسون بتدمير هذا السد، حجرة بعد حجرة. وسيبقى من بعدهم حطاما. وعلى هذا الحطام تأمل مارين لوبان إعادة بناء يمين متطرف "غير مُعقّد" ... سوف لن يجرأ أحد تسمية حزبها بالمتطرف. لأنه سوف يصبح، هو نفسه حزب اليمين. ومن دون نعث 
!

كارولين فوريست "عندما يتحلى اليسار بالشجاعة"

الجمعة، 20 أبريل 2012

جبهة ضد جبهة




لن تستيقظ فرنسا على نفس الإيقاع وخصوصا بنفس الوجه حسب ترتيب المرشحين في الدورة الأولى من هذه الانتخابات الرئاسية. أتصدر فرانسوا هولاند هذه الانتخابات عند موعد 22 ابريل. أم استطاع جان لوك ميلينشون تحقيق "المعجزة" وجعل مارين لوبان تحتل المركز الرابع.

ليس هناك مباراة يُحسم فيها مسبّقا. ولا سيما تلك التي نحن بصددها. فنتائج التصويت لصالح الجبهة الوطنية صعب التنبؤ - يتمّ دائما سوء تقدير نتائجها - لا شيء يمكن توقّع الفارق الذي قد يفصلها عن جبهة اليسار. هناك شيء واحد مؤكّد. هي الصورة التي سوف تعكسها فرنسا وصورة التي سوف يعكسها الفرنسيون لأنفسهم ستكون مختلفة جدا إذا استطاع هذا اليسار تجاوز الجبهة الوطنية بفارق بسيط، أو حتى التساوي معها فيما يخص عدد الاصوات.

لقد تم التركيز كثيرا على القواسم المشتركة بينهم. قد يكونوا موجودين.  انها القدرة على التغلب على صعوبات الواقع، على هذه الرسومات البيانية اللعينة للاقتصاد وهؤلاء الصحفيين المزعجين، لرسم عالم وهمي، أكثر انسجاما مع وعود الملوّح بها ... 

ان الامر جد سهل لأولئك الذين ليس عليهم احترام وعودهم. وقد يعتقد البعض ان الجبهتين لم تتخلصا بعد من الحنين المشكوك في امره الى اليوتوبيا الشمولية المسجلة في الحمض النووي لشيوعية أو القومية. فالقاسم المشترك بين هاتين اليوتوبيتان العقائديتان هو كون أيديهم ملطّخة بالدماء ويدوسون دائما بأقدامهم على حرية التعبير والرأي.

ومع ذلك، لم يعد لهاتين الجبهتين علاقة بيّنة مع هؤلاء الوحوش. فمارين لوبان رغم رقصتها الجميلة في فيينا مع من يشدّهم الحنين الى النازية، فهي لا تريد إبادة "الاعراق الدونية "ولكن تُفضل الوطنيين عن غيرهم. وجان لوك ميلينشوني قد يغني باعلا صوته نشيد العالمية، فهو لا يريد ديكتاتورية البروليتاريا ولكن يبحث عن وضع حد لدكتاتورية الأسواق.

إذا كانت ويلات الاستبداد باسم الأمة في بعض الأحيان مماثلة لتلك التي ترتكب باسم البروليتاريا، فلا مقارنة بين جبهة اليسار والجبهة الوطنية. ان ثقل أوجه التقارب التي تجمع بينهما أخف بكثير من وضعهما الراهن وخلافاتهما العميقة.
وان كانت وريثة الجبهة الوطنية تتحدث باسم الشعب والجمهورية وباسم العلمانية، فهي لا تعترف الاّ بقانون العشيرة، وبحلم استعادة الهيمنة الثقافية الكاثوليكية وبحق الدّم. ففرنسا التي تنادي اليها غاضبة من المهاجرين. فهي لن تكون فرنسا المؤيدة للمساواة ولكن فرنسا تدرّج الهرمي الاجتماعي للفرنسيين. مركزها الثالث في الانتخابات – 
وقد يكون الأمر أسوأ – هو بمثابة دعوة الى تثبيت الهوية.

فالاّمُتسرول (سان كيلوت) وان كان وزيرا وعضوا في مجلس الشيوخ، يعرف جيدا أفضل من غيره تاريخ الجمهورية ويُجسّد أكثر من أيّ أحد، الشغف المتمرد النّاتج عن الثورة الفرنسية. فرنسا التي يريدها غاضبة على الأغنياء. قد تُربك المفاهيم بين الرغبة في الانتقام والبحث عن العدالة الاجتماعية، نسبة الى درجة مرارتها. لكن هذا الغضب، على الأقل، أمر مفهوم. وإذا حضي هذا اليسار بالمركز الثالث فسوف يرسل إشارة قوية... لصالح المساواة.

هذا ما ننساه أحيانا عند مقارنة الجبهة الوطنية بجبهة اليسار. فالمفارقة بينهم مسألة لا تتوقف على نسبة الاختلاف ولكن على طبيعتها وأهدافها. ومن شأنها أن تغير صورة فرنسا على حسب صفّ ترتيبهم.

للتاريخ: نهاية التشويق. خلافا للآمال المذهلة التي خلقتها استطلاعات الرأي ولكن طبقا لتخوفاتنا، انتصرت الجبهة الوطنية بفارق كبير على الجبهة اليسارية ...

كارولين فوريست في جريدة لوموند

"عندما يتحلّى اليسار بالشجاعة" دار النشر غراسييه 2012 


السبت، 17 مارس 2012

العنصرية موجودة لكن "الاعراق" لا


فرونسوا هولاند يريد إزالة كلمة "العرق" من الدستور. فاعتبر نيكولا ساركوزي اقتراحه "مثيرا للسخرية". هذه الحرب الكلامية تكشف عن اختلافات جوهرية أشد مما يبدو. بين المرشح اليساري الذي يؤمن بالحق في عدم الاكتراث، في قلب النموذج الجمهوري الفرنسي، والرئيس اليميني الذي يفضل التملّق للحق في الاختلاف مقتاد في ذلك بالتجربة الأنجلو سكسونية.

والحق في الاختلاف ينطلق من المبدئ القائم على أن البشر قد يختلفوا بسبب لون بشرتهم وأصلهم العرقي، ولكن لهم الحق في المعاملة العادلة والنزيهة. فهذا هو توجه المضادين للعنصرية في امريكا، أحيانا أكثر فعالية ولكن أيضا أقل إحكاما من التوجه المناهض للعنصرية في فرنسا. لأنه عوض رفض تواجد فئات للعنصرية، ناضل أكثر من أجل الحصول على إعادة التوازن داخل الطوائف الاجتماعية. فقامت طائفة السود، ثم الطوائف الاخرى، بالتعبئة – ولم لا التنافس – لوضع تدابير التمييز الإيجابي على أساس "العرق". فما قد يكون فعّالا على المدى القصير لإخراج الى قيد الوجود بعض النماذج، لا يستطيع بالضرورة تغير عقلية الجميع. وخاصة عقلية أمريكا البيضاء العميقة.

 في فرنسا، التحدّي يختلف. فمناهضة العنصرية للستين السنة الأخيرة لم تُشيد لمواجهة التفرقة، بل لمواجهة الإبادة. برفضها فئات النازية. حيث أن كلمة "العرق" ليس لها نفس المعنى باللغة الإنجليزية كما هو باللغة الفرنسية. فهنا لا يتعلق الامر فقط بلون البشرة. فإنه يردد ايديولوجية تعتبرأن البشر لا ينتمون الى نفس النوع وفقا لمظهرها. وهذا الهراء لن يفنى. فكيف يمكننا محاربته؟ يمكننا تحقيق ذلك بالتوضيح أن "العرق" لا وجود له. ولكن كيف يُمكننا الاقناع بذلك إذا احتوى دستورنا هذا المصطلح؟ فالمناضلين الذين قاموا باستعماله كمصطلح لم تكن نيّتهم سيئة، بل على العكس تماما، حيث أرادوا المساواة بين المواطنين جميعا "بغض النظر عن العرق". غير انهم لم يكن لديهم بعد النظر الضروري لتحرير المفردات اللائقة بزمنهم. لقد آن الأوان لكسر هذه السلسلة وفتح صفحة جديدة.



 بالتأكيد أن حذف كلمة "العرق" من الدستور لن تزيل العنصرية. لذلك يبقى الامل معلّق على تطهير الاحكام المسبقة من الالغام المسؤولة عن التمييز. وهذا الامر في حدّ ذاته خطوة كبيرة. وبالفعل أفضل بكثير من محاولة إدخال كلمة "التنوع" في الدستور، كما أرادها الرئيس السابق متضرعا بتعزيز التنوع. لقد كان الغرض منه خاصة السماح بإنشاء الإحصاءات العرقية والاعتراف بالحق في الاختلاف. في أسوأ الأحوال، كان من شأن هذا التكريس، تعزيز الصّور النمطية. امّا في أحسن الأحوال، يبقى خُدعة. فبعض رموز التنوع، يتم استعراضها بعجب، لتخفي غابة من نبذ مساواة الحظوظ ... لكنّها مكلفة بكثير عند القيام بتنفيذها.

 ففي الرغبة في إزالة كلمة "العرق" ووضع المساواة قلب برنامجه، وفي الوقت نفسه اقتراح تمويل "وظائف المستقبل" في أحياء ذات "أولوية" – وليس أحياء أكثر "حساسية" -يُحيي فرانسوا هولاند أكبر طموح التقاليد الجمهورية المُنادية للمساواة. وهذا الامر أصلا بعيدا من أن يكون مثيرا للسخرية.

كارولين فوريست في جريدة لوموند

"عندما يتحلّى اليسار بالشجاعة" دار النشر غراسييه

الجمعة، 24 فبراير 2012

الجبهة الوطنية: بين التهديدات والخدع





فرانس انتر، 24 فبراير 2012


برونو دوفيك: هذا الأسبوع، تتطرقين في حديثك الى موضوع برنامج تم عرضه على شاشة التلفزيون البارحة "أقوال وأفعال"، وموقف رئيسة الجبهة الوطنية في النقاش العام ...

كارولين فوريست: إنه من الصعب دائما اجراء مقابلة مع سياسي لا يريد الإجابة على الأسئلة التي طرحت عليه. ولكن يفضل خلق، بطريقة جد ممنهجة، أجواء من التوتر والمواجهة حتى يتمكن بعد ذلك من تقمص شخصية الضحية.

فالتقنية بسيطة. كلما شعرت مارين لوبان بالحرج من سؤال محدد، الأمر الذي يتطلب منها الخروج عن الخطاب المعتاد للذهاب الى تفاصيل معززة بالأرقام أو حتى تفاصيل دقيقة أو ملموسة الى حد ما، والتي قد تكشف عن كواليس ترفض الكشف عنها، فهي تقوم بالتالي بمهاجمة كل من يسألها. بطريقة عنيفة وشخصية على قدر المستطاع، وذلك لتثبيت حالة التوتر ... الذي يجعل من الشخص العدواني، هو من تم الاعتداء عليه. أواكثر من ذلك، يجعل اعتبار الرفض عن الإجابة، درسا في الديمقراطية.

 لقد تلقينا هذا النوع من الدروس الليلة الماضية مع شيء من الاحتقار طال حتى المعارضين السياسيين للجبهة الوطنية. حيث رفضت مارين لوبان مناقشة جان لوك ميلينشون. الامر الذي لم يجرؤ  أي مرشح رئاسي حتى الآن، القيام به. فلا يوجد هناك مرشح للانتخابات يختار معارضيه بدقة بقدر ما تقوم به مارين لوبان عندما يتعلق الأمر بفرز خصومها.

لا نتحدث عن المضايقات القضائية التي تقوم بها المرشحة ضد الصحفيين وضد خصومها، ولا
التصريحات التي تدلي بها حاشيتها أو أنصارها، مما يؤكد ان الجبهة الوطنية لم تفقد قابليتها لترهيب الصحفيين الذين يضايقونها. في كتابه "أهلا بك في الجبهة"، للصحفي كلير شيكاغليني الذي تسلل قلب الجبهة الوطنية لمدة ثمانية أشهر، قام بتسجيل مناقشات جد توضيحية لأطر الجبهة الوطنية حول هذا الموضوع.

برونو دوفيك: اعتقد انه حضيت بمعاملة خاصة كانت في انتظارك كارولينا. يتعلق الامر بجعلك ترتدين خوذة ثم يتم أخذك للمشي في الغابة ...

كارولين فوريست: هذا صحيح ... وهناك طريقة أخرى معروفة اكثر، غالبا ما تستخدمها الجبهة الوطنية. وقد تم استخدامها الليلة الماضية. انه أسلوب "سبق لي ان تكلمت عن ذلك قبل أي شخص آخر ". حتى عندما يتعلق الامر بمجرد الاقتباس المغلوط من الآخرين، من خلال التسمية الخاطئة للأشياء، وذلك بهدف خلق الجدل وليس النقاش. وبالتالي تركيز الانتباه عليها وتسليط الضوء.

هذا هو حال العلمانية التي قامت الجبهة الوطنية بمحاربتها، عدا عند وصولها الى آخر خط مستقيم في الانتخابات مع الادعاء بالسبق في التنديد بالانتهاكات التي تعرضت اليها هذه العلمانية. وهذا الامر خداع بالطبع. يجب أن نذكر، أن الجبهة الوطنية لم تقبل بالتصويت على قانون العلامات الدينية في المدارس العامة وموقفها يهدف استعادة سيادة ثقافة دينية معينة أكثر مما تدعي دعم العلمانية.

وفيما يتعلق بفائض بطاقة الحيوية (الذي يفسره تغيير العنوان بعض المستفيدين) أو الحلال والتي لا تستفرد مارين لوبان بالدعوة الى تتبع أفضل له، فما هي المصادرالتي تعتمدها؟ انها تقارير إدارية وتحريات الصحفيين. بكل بساطة. والتي سوف تقوم مارين لوبان بتحريفها قصد التلويح بالأوهام. وبالتالي زعم أنها الوحيدة التي تستطيع رفع المحظورات وفضح وسائل الاعلام كجزء من النظام الذي تقوم لوحدها بمحاربته. ما يعبر بطبيعة الحال على مراوغات سياسية وماهرة، ولكنها في نظري قديمة شيئا ما.


كارولين فوريست "عندما يتحلى اليسار بالشجاعة"

السبت، 14 يناير 2012

الطلاب الأجانب: يجب على كلود غيان تقديم الاعتذار!






لوموند، 14 يناير 2012

قيصر، من جنسية فنزويلية، مهندس معماري. جاء للدراسة في مدرسة الهندسة المعمارية الخاصة في باريس، حيث فاز بجائزة احسن دبلوم. لقد سعى مكتب بنيويورك الى توظيفه منذ أشهر. لكنه اختار باريس. "لأنني كنت أحب فرنسا، وتاريخها وهندستها المعمارية". لقد تردد في الحديث عنها بصيغة الماضي. فمن قبل كان يتكلم عنها بصيغة المضارع "أنا أحب فرنسا" ومن دون تردد. اليوم فهو لا يعلم أكثر من ذلك. دورية كلود غيان كسّرت كل شيء. أحلامه، عقده لمدة غير محددة في مكتب باريزي، ومشروعه: إقامة للطلبة في بولوني (تأوي 156 طالب وطالبة)، لقد كان بصدد انجاز رسوماتها الهندسية منذ سنة، والتي الآن، سوف تتطلب وقتا اكثر من ذلك. كما لو ان هذه الحكومة تكِن عداوة  للشباب ...

هناك الآلاف مثله في نفس الوضع. سيد من جنسية تونسية، حامل لشهاذة الماجيستير ومتخصص في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ميدان يعتبر فيه اتقان اللغة العربية امر لا يستهان به. ومع ذلك، فإن شركة الاستشارات التي كانت تعتمد على كفائته سوف تضطر التخلي عنه. لأنه غير مرغوبه فيه ... لكونه أجنبي. هيا ابحثوا عن فرنسي جيد!

مرحبا بكم في أرض "الأفضلية الوطنية" بكل أشكال سخافتها. المعنوية والاقتصادية والثقافية. انها تحطّم صورة فرنسا في الخارج والنموذج الفرنسي المبني على أساس تقاسم المعرفة. انها تُحرم فرنسا من قوتها الساسية: التأثير الثقافي بفضل الفرانكوفونية. إنها تحرم الشركات الفرنسية من كفاءات قد تخولها الفوز بحصص من السوق. فلا يجب الاستغراب عندما لن تتكلم نخبة الغد الفرنسية، ولكن فقط اللغة الإنجليزية! وان قام  كلود غيان بالتراجع عن مشروعه هذا وقام بتعديل دوريته، فوقع تأثيرها باث سيء للغاية. ويعاقب الآلاف من الشباب لأنهم اختاروا فرنسا. أمّا الآخرين فقد غيروا اتجاههم. وبالتالي اصبحت الشركات الفرنسية التي كانت تعتمد على هذه الكفاءات، معاقبة. لماذا كل هذا؟ للاستيلاء على عدد قليل من أصوات الجبهة الوطنية؟ تأثير إعلاني محض، تم ابتلاعه بسرعة؟ انه عمل وحشي للغاية.

من بين جميع القرارات السيئة التي اتخذت في السنوات الأخيرة، ربما يكون هذا القرار هو الأخطر. نتيجة لمنطق العددي السياسي والصبياني الذي لا يكف أبدا من المعاملة الخشنة لهذا البلد ولصورته.

فقررت فرنسا اخرى أن يُستمع إليها. وقام التجمع 31 مايو، ومنظمي دعوة "من اجل جامعة عالمية" والتي حصّلت على  30000  من التوقيعات) بإطلاق سلسلة من العموديات " (parrainages (في حضور مجموعة من المثقفين ورؤساء الجامعات، مستاؤون من فكرة عدم القدرة على استقطاب نخبة الغد الى فرنسا... ف"اتخذ" الجميع ابن بالعمودية. على أمل أن يساعدوا هذه المواهب لاكتساب الفوري لحق العمل. ولكن ليس فقط. وللتذكير بأن فرنسا تكبر دائما عندما تشع. كما حان الوقت لوضع حد للعقلية التي تلغم الروح الفرنسية.

فلا ينبغي فقط على كلود غيان سحب دوريته برمّتها. بل ينبغي عليه تعبئة جميع الولاة لحل مشاكل الملفات المعروضة على انظارهم. ويجب أن يعتذر. أن يعتذر عن الأضرار البشرية والاقتصادية والثقافية التي تسبب فيها. لطمأنة الطلاب الذين يقع اختيارهم على فرنسا، وأولئك الذين لم يعودوا يستحملون رؤيتهم يترددون.

للسجل: فضل قيصر الذي وافقت على تبني قضيته في إطار التجمع من أجل جامعة عالمية، فضل الرحيل عن فرنسا. أمّا دورية كلود غيان التي حاربناها، تم الغائها بعد أيام قليلة من نجاح فرانسوا هولاند في الانتخابات.

كارولين فوريست "عندما يتحلى اليسار بالشجاعة"