السبت، 29 يوليو 2017

إبادة الشعب اليزيدي


 بابا الشيخ: الاب الروحي لليزيديين. تصوير سيباستيان كاستوليه/سيبا


وضعت الأمم المتحدة تعريفا دقيقا لكل ما يتعلق بالإبادة الجماعية. ستكون ستعرف إبادة الأقلية اليزيدية تحقيقات وانعقاد مُناظرات يحضرها الخبراء. في انتظار حكمهم، لدينا عيون ترى. ونحن نعرف بالفعل أن المعاناة التي يتعرض لها الشعب اليزيدي تطابق تماما تعريف الإبادة الجماعية المرعبة: الرغبة في "التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أوعرقية أو دينية بصفتها هذه".

على أولئك الذين يشعرون بالاضطهاد في أوروبا أن يقارنوا مصيرهم بمصير الشعب اليزيدي في ظل حكم الخلافة ... فنادرا ما وصلت العنصرية مثل هذه المستويات من العنف سواء في الإبادة أو الاستعباد أو الاستعمار.

ينحدر اليزيديون من سلسلة طويلة من أسلاف أكراد كانوا يرفضون دائما اعتناق الإسلام، حتى في ظل الإمبراطورية العثمانية. وقد كلفهم الاحراز على استقلالهم ثمنا باهضا: 73 مذبحة ومحاول إبادة جماعية عبر التاريخ. لا يزال الإسلامويّون يفضلون اليهود عن اليزيديين، ويسمونهم "بعبدة الشيطان". لأنهم ببساطة يدعون الله متوجهين الى الشمس ويتضرعون لزاوية الطاووس التي يُنظر إليه على أنه الشيطان.

مستوحاة من عبادة "ميثرا" الذي تغلب عليها التأثيرات المسيحية والصوفية، لا يوجد عند اليزيدية كتاب مقدس، ولا يزالوا يعيشوا على شكل طبقات ويقدّسون الشيخ عدي، وهو المشرقي الذي جدد بشكل كبير ممارسته الدينية في القرن الثاني عشر.

يقع معبده في شمال الموصل في منطقة تسيطر عليها البشمركة، حيث لم يُدنّس من قبل الجهاديين. فهو يشكل قبلة الناجيات من القسر اللواتي يقصدنه من اجل التطهّر. فبعد الاغتصاب والاعتناق كراها للديانة الإسلامية، يصطفن في موكب للعودة يزيديات من جديد.

في القرون الماضية، عندما يتم اغتصاب النساء من قبل قوات الخلافة العثمانية، كان عليهن مواجهة الرفض من المجتمع اليزيدي. لكن ليس هذه المرة. فالزعيم الروحي لليزيديين، بابا الشيخ يُدين أولئك الذين يريدون القاء اللوم عليهن. إنه تقدم حقيقي، لا يُشفي حقا، لكنه يُجنب إضافة الجحيم الى الجحيم.

بدأ الكابوس قبل ثلاث سنوات بالضبط، صباح بائس من 2 أغسطس 2014. قامت داعش، التي احتلّت الموصل، ببعث أتباعها ليمتزجوا في سنجار والقرى المحيطة بها قصد الاستحواذ على اليزيديين. لم تتوقع البشمركة المنتشرة حول القرى لحمايتهم مثل هذه الموجة. كانوا خائفين. فوجد القرويون أنفسهم وجها لوجه مع جحافل من الجهاديين، العراقيين والأجانب. بعدما جُردوهم بالحيلة من كل ممتلكاتهم، جلبت مرتزقة الخلافة الرجال للركوب في الشاحنات قصد اعدامهم. وقد عثروا للتو على قبورهم.

اما مصير النساء اليزيدية فهو أسوأ من ذلك بكثير. في مجتمع تقليدي، الموت أرحم من الاغتصاب. بدأ المجاهدون الضارة يفصلون بين الشابات والطاعنات في السن، الكبار من الأطفال، والأمهات من العذارى قبل وضع ملصقات الأثمنة فوق أظهرهن وبيعهن مثل الذواب. صُور تُظهر طابورا من النساء بالحجاب الاسود السابغ، مقيدة الأعصم بالسلاسل. سُجنت البعض من هن في مخازن من الحبوب. كما سجنت الأكبر سنا في السراديب لاستخدامهن كزوجات مؤقتات بالجملة، عندما لا يتم ضخ دمهن لنقله للجرحى الجهاديين ... أما الأصغر سنا فيتم الفرز بينهن وبيعهن.

تبدأ أسعارهن من 150 يورو بالنسبة لطفلة يبلغ سنها تسع سنوات في فترة التخفيضات المنعقدة في اطار جلسات خاصة. ويمكن أن يصعد إلى عدة آلاف من الدولارات في مزاد علني. لكبار شخصيات داعش والمقاتلين الاجانب الاسبقية في الإختيار. يبدوا على شريط فيديو مسجل من قبل رجال داعش ليلة بيع العبيد، مُلتح متحمس يصرخ: "أين يازيديتي؟ أريد واحدة بعيون زرقاء! ". وأصدقائه يضحكون بسخاء. وحشيّة الهيمنة الذكورية كلها بارزة في هذا المشهد.

عندما يمّل المشترون من مشترياتهم أو يعزمون اقتناء فتاة أخرى، يقومون ببيعها للمهرّبين. بهذه الطريقة تقوم المنظمات غير الحكومية والحكومة الاقليمية العراقية بأداء أثمنتهن وتحريرهن. وبهذه الطريقة أُخرجت الآلاف من حالة الرعب. وفرّ البعض من هُنّ. وخرجت المئات لرفع السلاح في وجه داعش. اما الأخريات فما زلن أسيرات في رقة.

في كندا، علمت إحدى الناجيات للتو أن ابنها عماد مازال على قيد الحياة. كان من بين الأسرى، وجدوه أهلب وهزيل البنية، تم تحريره من قبل الجيش العراقي في الموصل. قام بعض المواطنين بالتبرع قصد لمّ شمل أمّ بابنها. هذا لا يعني في الواقع أن الجحيم انتهى بعد. وستلتهب نيرانه طويلا. الأجسام والقلوب والعقول.

كارولين فوريست

السبت، 22 يوليو 2017

"آه، ماذا لو كان الاله مثلي الجنس"

تخليد لهذا الحدث. كريدي فوطو: المجلس البريطاني للمسلمين القدماء


في وقت ليس ببعيد، ولمواجهة المتعصبين المناهضين للإجهاض، ردّد مناهضي الفاشية وهم يهتفون "ماذا لو عاشت مريم حالة اجهاض، فلن نعيش كلّ هذا الهراء". كان اليسار حينها في قمّته مُوحّد ضد الظلامية.

اليوم يجب أن تكون انتحاريا لتدندن بجرأة "آه، لو كان الاله مثلي الجنس، ستنقص حدّة  هذا الهراء ". ورغم ذلك ... فلو كان الاله مثلي الجنس، ستقلّ حدّة العنف في العالم وسيصبح أكثر تسامحا. ولن يُشنق المثليون جنسيا في إيران. ولن يُرمى بهم من فوق أسطح المنازل في الأراضي التي تسيطر عليها حماس أو داعش. ولن يتم طردهم من الشيشان حتى "نستطيع –كما جاء على لسان قديروف - تنقية الدّم الشيشاني" و "التقرب بذلك من الله". وفي برلين، لن تتلقى احدى المساجد الليبرالية تهديدات بالقتل بسبب الوعض بالتسامح اتجاه المسلمين المثليين جنسيا. وجانبا، لن يحاول شاب باكستاني يُدعى "جاهد تشودوري" الانتحار، وهو مثلي الجنس يبلغ من العمر 24 عاما، إثر تعرضه لهجوم من قبل مواطنين من بلدته وسط لندن وطرده من المسجد الذي يعبد الله فيه. فالإشارة الوحيدة التي تُثبت انه يعيش في ديمقراطية منفتحة، وليس في باكستان، هي عقد قرانه مع رفيقه مؤخرا.

نعم، لأنه إذا كان الاله مثلي الجنس، سيعيش حتما حالة حب، وسيكون أكثر سعادة ... غير انه أرجوكم لا تبوحوا بهذا السر، فسوف تُتّهمون "بالإسلاموفوبيا". خاصّة، وهذا ما هو محزن، إذا كنت تتغنى بها في مسيرة فخر المثليين.

مريم نمازي وأصدقاءها من "المجلس البريطاني للمسلمين القدماء" عاشوا التجربة مؤخرا. معظمهم فروا من إيران أو باكستان للجوء إلى أوروبا بسبب تعصُّب المتطرفين. متباين الجنس كانوا او مثلي الجنس، لديهم قواسم مشتركة ألا وهو الحلم بعالم أفضل، أقل عنصرية، أقل جنسانية وأقل خوف من المثليين، وبالتالي أيضا أقل تعصّب. ففي 9 تموز الأخير قاموا بالاستعراض في مسيرة الفخر وقد رُسمت على نهودهن ألوان القوس قزح أو آخرون أكثر احتشاما مرتديين أقمصة فقط. فتحت طريق الموكب اعداد مهمة من أعضاء الشرطة المثلي الجنس، جاءوا للاحتفال بالحرية والفرح في أزقة نزفت جراء سلسلة الهجمات التي تعرضت اليها مؤخرا. "أنتم تمثلون أفضل ردّ على الكراهية"، هكذا علّق عُمدة لندن، ساديق كان، اتجاه هُتاف الحشد.

ومن بين المشاركين في المسيرة، لم يجسّد احد أفضل بديلا للكراهية والعنصرية والتعصب بقدر ما جسّده الملحدين من ثقافة مسلمة وهم يدافعون عن الحق في الحب الذي يتعدى حدود البلدان. عبروا به عبرلافتات تصرخ "الاله مثلي الجنس"، "مسلم قديم وفخور بذلك"، "أرجعوا الحقوق للمثليين جنسيا في العالم"، "أدينوا القوانين المعادية للمثليين"، "اللعنة لرهاب الجنسية المثلية الإسلاموية " أو "الإسلاموفوبيا هو التناقض ".

شعارات لها تاريخ وأسباب النزول. العديد من هؤلاء النشطاء من اصول باكستانية اختبروا في أجسادهم وبدمهم عنف القوانين المضادة للتجديف الدّيني. إنهم يعرفون عن ظهر قلب خطر هذه الكلمة المُربكة التي تُحدث الخلط بين انتقاد الدين وشكل من أشكال العنصرية. غير انه إذا استطاعت هذه الاّفتات رسم ابتسامة على مُحَيّا معظم المتظاهرين، فلم تجدها الشرطة الإنجليزية مُسلّية، وأبدت مرعوبة من فكرة اعتبارمضمونها إساءة أو موضع استهجان من قبل البعض. وهذا ما حدث بالفعل.

قام مسجد شرق لندن يوم المسيرة، وهو مسجد يتلقى الدّعاة الذين يكنّون كراهية للمثليين، قام بالتنديد ب"الإسلاموفوبيا" قبل ان يُقدم شكوى بتهمة "التحريض على الكراهية". وجاء بسوء نيته المعتادة. وشوه مضمون لافتات الجمعية جاعلا الناس يعتقدون انه كتبت عليها "اللّعنة للإسلام" وليس "اللّعنة لرهاب الجنسية المثلية الإسلاموية". وكان الهدف من ذلك هو الحرص على خلط الأوراق وجعل النشطاء المدافعين عن المساواة لا يُميّزون بين الإلحاد والعنصرية.

بنغو ! لقد اصابوا!  لقد أقدم القائمون على مسيرة الفخر بلندن بتبليغ المسجد الذي قدّم الشكوى ... أنهم سيقومون بالتحقيق في الأمر! "نحن لا نود السمّاح بممارسات ذات طابع إسلاموفوبي"، كما صرّح أحد المتحدثين باسم المسيرة وهو فخور بنفسه. حتى دأُب المحقق الشاب يتدارس العقوبات التي ينوي تطبيقها: "سنقرّر ما إذا سيتم السّماح للمجلس البريطاني للمسلمين القدماء المشاركة في مسيرة العام المقبل ام لا". بكل بساطة.

هذا إشعار للمطرودين، أنصار التسامح مع التعصّب واستبعاد مقاومي الكراهية. ففي المستقبل، إذا تمّ استبعاد الملحدين المناضلين ضد الأموفوبيا الدينية - يدفعون ثمنها بحياتهم - لإرضاء الأصوليين، فهذه هي الشعارات الجديدة التي قد تسمعونها: "آه، إذا كان كل المثليون جنسيا أغبياء الى هذا الحد، فسوف يقل هراء معادي الجنسية المثلية ".

كارولين فوريست


الأحد، 9 يوليو 2017

سيمون وثورة الأجسام الحرة


 يتم قياس قوة الانتصارات بالمقاومة التي تثيرها. فالإفراج عن أجساد النساء من خطر الحمل غير المرغوب فيه هو من بين أعظم الخطوات التقدمية التي تم الاحراز عليها في القرن العشرين. خطوة أكبر من الخطوة التي خطاها الانسان فوق سطح القمر، مما يُفقد صواب جميع المتعصبين والمنتمين الى القرون الوسطى والخاضعين للقضاء والقدر الإلهي أو الناجم عن الطبيعة. لأن قطع الاتصال بين الجنس والإنجاب تسبب في قطع سلسلة الرقيق التي تعتمد عليها الهيمنة العليا الذكورية.

مادام ليس باستطاعة النساء السيطرة على بطونهم، لن يستطعن السيطرة على مصيرهن. فحتى لا تصبح حاملة، فرض على المرأة منذ فترة طويلة ان لا تسقط في غرام أحد خارج إطار الزواج. عندما جاءت مرحلة التحرر الجنسي مؤخرا، لأنها كانت في مصلحة الرجال، وقع ثقل هذه الحرية على عاتق النساء. ولم تتساوى أجسادهم بأجساد الرجال الاّ بفضل منع الحمل المرتبط بإباحة الإجهاض. ولهذا أرهبت هذه الخطوات المتقدمة التي تم الاحراز عليها البطاركة.

يكفي النظر في ردود أفعال الكراهية عند التصويت على قانون "فيل" أو حتى بعد وفاة من دَفعت بهذا القانون. قام النواب الجبهة الوطنية بالتسلل خارج الحفل الذي قام به مجلس فرانش-مقاطعة إقليم بورغون لتخليد ذكراها. وفي عام 1986، عندما كان الحزب لا يتكون الا من 35 نائبا، يتمثل انجازهم الوحيد خلال ولايتهم في تشكيل مجموعة برلمانية معية كريستين بوتين ضد قانون "فيل". فبعد أن نجت من المحرقة النازية، قضت سيمون فيل حياتها تعاني من غضب من وصفتهم ب "فريق المخابرات النازية بأقدام صغيرة،" فجمعت بين اثنين من الكراهيتين الأكثر عنادا في العالم: كراهية النساء وكراهية اليهود.

وكانت التخصص اللافت للنظر للمنظمات المناهضة للإجهاض هو مقارنتها بالنازية. فعند الإعلان عن وفاتها، ذهبت مجموعة من شباب الاله لإعادة تدوير رسم قديم تُظهرها مصافحة لهتلر، تحت عنوان "قانون "فيل" واكثر من 6 ملايين من الضحايا". الفكرة تتجلى في محاربة بأي ثمن كان المحرقة حتى يتم اعتبار ظاهرة "فيل" نسبية، في حين تتهم ورثة المحرقة بالمسؤولين الحقيقيين عن هذه الإبادة. فن تحريفي من الطراز الرفيع والذي قام في بعض الأحيان بإحصاء عمليات الإجهاض حيث تم تقدير عددها ب40 مليون عملية. لقد اعتُبرت كل علاقة جنسية لم ينتج عنها إنجاب أطفال جريمة في حق الإنسانية. حتى طالبان أصبحوا أكثر تقدما فكريا في هذا المجال.


يعتبر الأصوليين الكاثوليكي مبدئيا، أكثر تشددا ضد الحق في الإجهاض من الإسلامويين. بمقتضى التوزيع السليم للأدوار، كل واحد منهم يضايق بمعرفته جزءا من أجزاء جسد المرأة. لا يفكر الإسلاميون الا في تغطية شعرها، في حين يهتم المسيحيون ببطنها. ففي الأمم المتحدة، وخاصة بعد مؤتمر القاهرة، أقنع الفاتيكان أخيرا الدول الإسلامية لمناهضة "امبريالية وسائل منع الحمل". يستشف من هذا الأمر مناهضة أي برنامج تنظيم الأسرة، والذي حاربوه جنبا إلى جنب، مع تحقيق نجاح مدمّر سمعنا عنه في بلدان مثل مصر. وقد أدى انفجار النمو الديمغرافي في تعطيل التعليم، ونقص المساكن وقلّة فرص الزواج، وزيادة كبيرة في البؤس الجنسي. إحباط يتم استغلاله بذكاء من قبل الإخوان المسلمين، الذين انضم ورثته الى الأصوليين الكاثوليكيين للبصق على جسد المتوفية سيمون فيل. غير قادر على ضبط نفسه عندما يتعلق الأمر بامرأة أو بيهود، وجه هاني رمضان تغريدة يتساءل فيها: "تكريم بقدر ما نشاء لهذا الناجية من النازية. ولكن كم من أطفال كانوا سيولدون ولم يولدوا منذ عام 1975 ؟ ". مرحبا بكم في عالم من تسبّب ضياع امتيازه الذكوري في فقدان عقلهم لكنه رغم ذلك وحّد بينهم.


قد نبتسم لهذا الأمر لو الجهود اليائسة لإنقاذ الهيمنة الذكورية المتعصبة اعلنت الهدنة. 
لسوء الحظ، فإن هذا العالم القديم لم يمض. بل يمكن احياؤها في أي وقت، طالما عدد اعداء النسوية في ازدياد مستمر، حتى داخل جسدها، لتمزيقه بمتياز. هذا هو الحال عندما تدّعي الجماعات تزعُّم "الحركة النسوية المتعدد الجوانب" والنسوية الأفريقية أو "النسوية الإسلاموية" بهدف اتهام الحركة النسوية بالعنصرية، مدعية الحق في الحجاب أو الدعارة، فيما يتم الدّفع بها الى التخلي عن التحرر العالمي. عقلية العبيد الحقيقية، التي يجب محاربتها بالتأكيد مع كل جيل ... تحت طائلة العودة للتقيّد بالسلاسل مرة أخرى.

كارولين فوريست