الأحد، 5 فبراير 2017

القصة الحقيقية لإعتداء عام 1976 الذي تحدثت عنه مارين لوبان في المقابلة التي أجرتها معها كارين لومارشاند



الإعتداء
(من كتاب "الوجه الحقيقي لمارين لوبان" دار النشر ليفر دو بوش    ( 2012

إنها صدمة حقيقية بالنسبة لمارين لوبان. تلك الحلقة التي بدأت تحكي فيها سيرتها الذاتية. عن يوم 2 نوفمبر 1976، وانفجار قنبلة في شقة العائلة، التي تقع في 9 فيلا بوارييه، في الدائرة الخامسة عشرة في باريس. وكانت العائلة تعيش في طابقين. في الطابق الرابع، توجد شقة الوالدين التي تصلح تارة لمنزل وتارة للمداومة السياسية. مُجمّع يقصده كل اليمين المتطرف لتناول وجبة العشاء. الفتيات ينمن في الطابق العلوي. يجب صعود السلالم الخارجية للوصول الى غرفهم. ممر تعبر يان في كثير من الأحيان لزيارة جيرانها الذين يقطنون في نفس الطابق حيث تحتفظ احيانا بابنهم الصغير. وأحيانا قد تنام فيه ليلة كاملة. ولكن ليس تلك الليلة. فقد فضلت العودة إلى سريرها وبالتالي تجنبت الكارثة. فالشقيقات الثلاث كن غارقات في النوم عندما وقع الانفجار، حوالي الرابعة صباحا. وبعد مرور ثلاثين عاما، لم تتذكر مارين لوبان أي ضجيج، مجرد تيار ضخم من الهواء: "إنه البرد الذي أيقظني. ام الصمت. صمت الموتى، صوت يصم الآذان ما يكفي لانتزاع فتاة صغيرة في الثامنة من عمرها من سباتها "[1]. فتناثر الزجاج المكسور في غرفتها. وصرخت شقيقتها يان، التي لم تكن تراها بسبب الدخان، لتطلب منها المكوث في مكانها دون حركة. ثقب كبير عوض السلم. حفرة كبيرة عرضها 20 مترا. ذهبت في مهب الديناميت التي وضعت على مستوى عتبة شقة الوالدين. عشرين كيلوغراما حسب مارين لوبان، 5 كيلوغرامات وفقا للشرطة. لا يهم. فالأثار واضحة، انه مُدمّرة. "نحن الآن ثلاثة على سرير يان، خائفات حتى الموت. راكعات، نرتجف، الأيادي متماسكة مع بعض، نصلّي بحماس اليائسين: "السلام عليك يا مريم ..."، عندما سمعنا صوت أبي الذي يصرخ من الطابق السفلي: "الفتيات! الفتيات ! هل أنتن على قيد الحياة؟ "[2]. واضاف "لم يصبهن مكروه، باستثناء بعض الخدوش والخوف الكبير". والجيران أيضا. ولكن الرضيع قد اختفى. سنجده في وقت لاحق، معلقا في الهواء بواسطة شنطة نومه. حفظه الفراش من صدمة السقوط. لديه كسر في الذراع فقط. في النهاية، كلب البودل في ملك الفتيات لوبان، هو الوحيد الذي أدى ثمن هذا الحادث. تحدثت الصحافة حينها عن "معجزة"[3].

ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها أعداء جان ماري لوبان محاولة تصفية حسابه بالمتفجرات. تم تفجير باب المبنى عام 1961، كما وقع لمقر دار النشر سنة 1975. ولكن هجوم سنة 1976 هو أكثر خطورة حيث ضربه في عقر داره. بالنسبة للشابة مارين لوبان هي بمثابة "ليلة رعب"، وبداية صحوة عنيفة. أدركت أن أسرتها ليست أسرة مثل أي أسرة أخرى. أولئك الذين يقضون أمسياتهم داخل البيت ويلجون بشكل مفاجئ ليسوا أصدقاء فقط ولكن رفاق السلاح. وأن والدها "يمارس السياسة"، وهذا أمر خطير، "كنت في الثامنة من عمري عندما أدركت فجأة أن والدي شخصية مشهورة، وأنه مُلام. وفهمت أيضا أن الموت يتترقب والدي وقد يموت فعلا، وما هو أسوأ من ذلك، هو أن يموت لأنه مستهدف بالقتل " [4]. لسنوات ستعيش مارين لوبان في الخوف من ان" يحدث مكروها " لوالدها. خوف لم يفعل لوبان الأب أي شيء لتجنبه. عندما تُوفي جان بيير ستيربوا سوف في حادث سيارة، وبعد مرور اثني عشر عاما، سوف يأخذها معه إلى المشرحة لرأية جثته: "تعالى معي. فأنا لا أريد أن يكون أول ميت ترين في حياتك هو أنا [5]"...

ويرجع تاريخ النفور الجدري لمارين لوبان من الإرهاب[6] الى ذلك الوقت. الى درجة الخروج عن وعيها في قنات ايل سي اي LCI، عندما ذكّرتها مشاهدة للبرنامج جرأة أبيها في التّقليل من حدة هجمات 11 سبتمبر. "سيدتي، وهي تنفجر في وجهها، ليس هناك دروسا أتلقاها منك. لقد كنت انا نفسي ضحية للإرهاب. لقد تلقيت 20 كيلوغراما من الديناميت في عمارتي. ولقد وجدت نفسي في الشارع. تم تدمير المبنى بأكمله. لذلك، ليس هناك دروسا اتلقاها منك حول الرثاء الذي علينا ان نشعر به اتجاه الضحايا! [7]"هذا الهجوم، وحتى كيفية عيش الأسرة في وقت لاحق، غيّرت الصغير مارين لوبان. من هنا جاءت رغبتها في الانصهار مع والده لمواجهة المحن والظلم. وبعد ثلاثين عاما، مازالت ترى هذه المحن وهذا الظلم في كل مكان. وكذلك كون والدها "لم يتلق أدنى إشارة تضامنية أو شفقة من السلطات". وفي كون الشرطة لم تعثر على المذنبين، "هل قاموا بالبحث عنهم؟ آمل ذلك، ولكن ليس هناك ما يأكّد هذا الأمر "." كما لو ان هناك ضحايا تستحق ذلك، أضافت بعد ذلك في فقرة اخرى... أنّه من الضحايا الذين يستحقّون مصيرهم ... وهكذا، في رعيان سن الدمى، أصبحت على بيّنة من هذا الشيء الفظيع وغير المفهوم بالنسبة لي، أنّنا لا نعامل على قدم المساواة مع الآخرين"[8]. هذه" المعاملة التفضيلية "ستصبح، حسب تعبيرها،" محرك كرهها للظلم".

في الواقع، لم يتم التخلي عن والدها تماما. لقد تلقى زيارة عضو مجلس البلدية: الكونت برتراند دي ميغري، نجل ميشال بونياتوفسكي، وزير الداخلية. علامة تدل على انه محط اهتمام المسؤولين على أعلى المستويات. حتى لو كانت أعلى السلطات لم تتنقّل لتفقّد أحواله. غير انه وهذا الأمر صحيح أيضا، لم تفض تحقيقات الشرطة الى شيء. هذا لا يعني أن جان ماري لوبان لم يُكوّن قناعة راسخة حول هُوية المُذنبين ... الاّ أنه عندما سُأل، بعد مرور خمسة وثلاثين عام من وقوع الحادثة، اعطي نفس التصريح الذي قدّمته ابنته: "لا نجد أبدا، عندما نكون نحن هم الضحايا، الجناة. إلاّ في حالة واحدة، في مرسيليا. مجموعة الفوضويين الإرهابية التي وضعت ثمانية قنابل، والأخيرة في بيت كاتبنا في الإدارة اللامركزية ".[9] ويعود تاريخ هذه الواقعة الى عام 1990، وقد أدّت في الواقع إلى القبض على اثنين من الفوضويين وإدانتهم[10]. ولكن يجب أن نعلم أن سبل البحث عن الجناة في الهجوم الذي وقع في 1976 ، لم تؤد الى اليسارالمتطرّف... فمن الصعب على جان ماري لوبان تجاهل هذا الأمر، لأنه كان على علم بذلك. عن طريق محاميه آنذاك، جان أندريه غيبير، الذي كلّفه بإجراء التحقيق في الموضوع. فكلّف هذا الأخير بدوره محققا خاصا، الذي عثر على شخصين يتّهمان بعضهما البعض بارتكاب الهجوم. هذا ما يكشف الصحفي لازلو ليزكاي في كتابه عن مارين لوبان، والذي نشر في عام 2011[11]. فهو يثير حقائق دقيقة ومثيرة للقلق، غير معروفة حتى الآن عند عامة الناس. ولنتحقّق من الأمر، سمح لنا الكاتب لقاء المخبر المذكور، الذي أكّد روايته.

انّه معروف باسم مارتيني، وهو اسم مكتبه للبحث، واسم الرجل الحقيقي هو أنطوان ميليرو. قام بنشر كتاب عن "اليد الحمراء"، وهي منظمة سرية انشأت قصد إجراء بعض "عمليات مكافحة الارهاب" لحساب مكتب "ضد التجسس الفرنسي"، في الوقت الذي كان يواجه حركات القوميين التونسيين والمغاربة بكل الوسائل[12]. هذه المنظمة، تعرف عليها عن كثب، بما في ذلك في عام 1952 في المغرب، حيث كان ميليرو يعمل شرطيا. عند وصوله الى فرنسا، بدأ يعمل في حماية الشخصيات الخطيرة مثل بيير بوجاد وبعض المجرمين الكبار، قبل أن يتم اعتقاله في سير التحقيقات حول "اليد الحمراء". وقام بالدفاع عنه جان باتيست بياجي وهو من المحامين الكبار، ومن أصحاب المؤيدين لجزائر فرنسية، ولكن أيضا عن طريق أندريه جان غيلبيرت، هو أيضا محام لوبان. وبعد الهجوم، طلب هذا الأخير إلى أنطوان ميليرو القيام بالتحقيق. واضاف "انه طلب مني ان اذهب لأقابله وأحاول معرفة المزيد عن طريق معارفي"، كما حكى المخبر. وخبّر كل من يحب ان يسمع أن هناك مكافأة في انتظار كل من ساعد في معرفة الحقيقة. جاء رجل يطرق بابه. انّه برينطانوف. يتعارفان منذ زمن. لعدة أشهر، حاول رفقة مساعده، شخص يدعى جيامارينارو، التطلع للعمل في مكتبه. دون جدوى. فميليرو لم يكن يعتبره أهلا بالثقة. ولكن هذه المرة، برينطانوف أراد أن يعترف. فأخده المخبر إلى ملهى حيث لديه عاداته. وشرب الرجل كثيرا ثم بدأ يتّهم نفسه باقتراف ضربة " فيلا بوارييه" رفقة شريكه. وهَمّ يذكر التفاصيل. كواقعة اقتناء كيس من الديناميت "في مقلع" ووضعها في الطابق الرابع، في محاولة متعمدة لقتل جان ماري لوبان، وتحقيق ساعتها "الى ما دون عشرة دقائق ". والعقد الذي يشكو من عدم تلقي ثمنه بكامله. "أعتقد أن شريكه هو من احتفظ بالمال"، كما ذكر ميليرو[13]. فنقل المعلومات إلى محامي جان ماري لوبان، الذي حذّر الشرطة الجنائية. فتم القبض على الرجلين، واعترفا بالحقائق قبل ان يتراجعا عن أقوالهما في آخر لحظة. فانتهى التحقيق هنا. ولم يتم ابدا الوصول الى العقل المدبّر.

من هو ؟ لا يوجد شيء يبرهن عن ذلك. وفقا أنطوان ميليرو "، الشرطة الجنائية " مقتنعة بأنها قضية تخضع الى اختصاص المحاكم العادية "[14]. جان ماري لوبان كان حينها في قلب تحدي مالي ضخم. هوبرت لامبرت، وريث الأسمنت لامبرت، توفي للتو قبل بضعة أسابيع. لم يتحمّل البقاء على قيد الحياة بعد وفاة والدته التي كان يعيش معها، في عزلة شبه تامّة في سان كلود. متقلب وهش، لامبرت شاب كان يدعم القضية القومية ويعد باعطاء ثروته بكل سرور لأولئك الذين يقومون بزيارته: فقام بتفقد أحواله لمدّة طويلة  بيير سيدوس من حركة "لوفر فرانسيس" ، كما تردّد عليه جان ماري لوبان. كان لزوجته، بيريت، اتصالا دافئا ومنتظما لا سيما مع هذا الثنائي الغريب الذي يشكله لامبرت مع والدته: "كانت علاقتي جيدة مع السيدة لامبرت. كانت تحب كثيرا جان ماري، كما أحبت الفتيات، وأصبحت من عائلتنا"[15]وفي الوقت نفسه، كانت عائلة لامبرت تحرر الوصية لصالح من تحب أكثر وقتها. وكانت آخر وصية باسم جان ماري لوبان. مما أثار استياء وريث آخر، فيليب لامبرت، الذي كان يقيم في مونتروت، والذي أخفى لعدة أيام وفاة ابن عمه. لربح الوقت حتى يجمع الأدلة على أن قريبه فاقدا لعقله  مما يبطل مضمون الوصية. وفقا لازلو ليزسكاي، انّها المهمة - جمع الأدلة - التي كان قد كلّف بها واحد من الضباطين للشرطة السابقان الذين اتهما بعضهما البعض بارتكاب الهجوم على فيلا بوارييه. دون ان نستطيع استنتاج أنه بعد ذلك طلب شيئا آخر. لان الرجالان يدوران أيضا في فلك شبكات المنظمة السرية المسلّحة و"لوفر فرانسيس"، الذين يشعرون بأنهم خُدعوا من قبل هذه الوصية التي كُتبت لصالح جان ماري لوبان. نحن في عصر يتم فيه زرع القنابل بسهولة في هذه الأوساط. رُعب تنسبه مارين لوبان على ما يبدوا، في وقت لاحق، الى المناخ المضاد للفاشية ... في حين أن هذه الأدلة التي سقطت الآن في الملك العام، تؤدي إما إلى قضايا ذات صبغة شخصية، أو إلى اليمين المتطرف.




 لكن أين هي الحقيقة؟ فلن نتعرف عليها أبدا. لم تكلف الشرطة نفسها عناء التحقيق حتى النهاية. "بالنسبة لهم، كان قضية صغيرة"، كما شرح لازلو ليزسكاي، الذي وجد رجال الشرطة الذين كانوا يمارسون مهامهم في ذلك الوقت[16]. في نظر مارين لوبان، هذا النقص في المثابرة يُعبّر فقط عن نوع من أنواع الظلم. ومع ذلك، لم تذكر في أي وقت من الأوقات، موجة من أعمال العنف التي أدْمت فرنسا نفس السنوات[17]. من 1977 إلى عام 1979، حيث سيقوم إرهابيي اليمين المتطرف ارتكاب ما لا يقل عن اثني عشر من الهجمات: اطلاق النار ضد اعتصام عمال ميكانيكية مصانع الزجاج في ريمس (قتيل واحد) ، طرد مفخخ ضد جريدة "روج" انفجار ضد بعثة فرنسية (التي كانت تأوي لاجئين التشيلي)، انفجار في مقر مطبعة اديسيون سبيسيال، طرد مفخخ خارج مقر الحزب الشيوعي الفرنسي، انفجار خارج مكاتب مجلة "فرنسا الاتحاد السوفييتي" ، هجمات ضد نزل ساناكوترا (لإيواء العمال المهاجرين) غارة ضد اجتماع "مناهضة الأعمال العسكرية"، هجوم في حق عصبة حقوق الإنسان ... لن يتم العثور في أي من هاته الحالات التي تحمل بصمة اليمين المتطرف، عن الجناة.  فعائلة لوبان ليست ضحية لمعاملة خاصة (بسبب عدم العثور على الجناة وراء انفجار عمارة عائلتها). غير أنه من الملاحظ انها تملك ذاكرة وتكِنّ سخطا انتقائيين إلى حدّ ما.

كارولين فوريست وفياميتا فينّر  



[1] مارين لوبان، ضد الموجات، مرجع سابق. المرجع السابق، ص. 9.
[2] المرجع نفسه، ص 12.
 [3] "معجزة عيد جميع القديسين"، لو باريزيان، 3 نوفمبر 1976
[4]مارين لوبان، ضد الموجات، المرجع السابق، ص. 17.
[5]المرجع نفسه، ص 100. توفي جان بيير ستيربوا  في 5 نوفمبر 1988 في حادث سيارة بين درو وباريس. انتخب في البرلمان الأوروبي في قائمة جان ماري لوبان سنة 1984، ونائب هوت دو سين في عام 1986، وهو أحد رفقاء الدرب الأكثر أهمية بالنسبة له. انظر أيضا ميشيل تريبلات، رحلة إلى قلب الابتآس، وسيروس 1999.
[6]مارين لوبان، ضد الموجات، مرجع سابق. المرجع السابق، ص. 21.
[7] برنامج لفاليري إيكسبيرت، ايل سي اي LCI، لديك الكلمة، 1 أبريل 2007.
[8] مارين لوبان، ضد الموجات، مرجع سابق. المرجع السابق، ص. 19-20.
[9] مقابلة مع جان ماري لوبان، 6 مايو 2011.
[10]هذه هي المجموعة الفرنك-الرماة، التي تبنّت العديد من الهجمات ضد اليمين المتطرف من عام 1991 إلى عام 1998. ليبيراسيون، 16 أكتوبر، 1999.
[11]لازلو ليسزكاي ، مارين لوبان: الجبهة الوطنية الجديد ، فافر، 2011، ص 33-37.
 [12]أنطوان ميليرو، واليد الحمراء، طبعات دو روشيه، 1997 260 ص.
[13] مقابلة مع أنطوان ميليرو ، 4 مايو 2011.
 [14]المرجع نفسه.
 [15] لوران دولاهوس، "يوم واحد، ومصير: جان ماري لوبان" فرنسا 2، 28 سبتمبر 2010.
[16]مقابلة مع لازلو ليسزكاي، 22 أبريل 2011.
[17]ليبراسيون، 21 سبتمبر 1979.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق