الجمعة، 16 سبتمبر 2016

أنَحْوَ خلافة تركية؟



في الحرب التي يشنّها علينا داعش، نجد ما يسميه المخرجون السينمائيون  "الحليف الخطأ" : رجب طيب اردوغان هو ذاك الحليف. فسياسته المستمرّة في ازدواجيتها كما انحرافه باتجاه الدكتاتورية  وتهديده المتواصل للألوية العسكرية الكرديّة  تصب  بمجملها في مصلحة المنظمة الإرهابية داعش.

في بداية النزاع السوري، قامت  تركيا و قطر والعربية السعوديّة بالمدّ  بالسلاح  المعارضة الإسلامويّة وميّزتها عن المعارضة الديمقراطيّة لا بل عزّزت سيطرتها....فلو قام اردوغان باغلاق حدوده  مع سوريا  المحتلّة لكان من المستحيل على داعش  الإثراء  من خلال تجارة تهريب البترول ، أو استيراد هذا العدد الهائل من المقاتلين الغرباء أو تصدير الإرهاب الى الغرب. فهل تم كل ذلك لشدّة انشغال مخابرات الشرطة التركية؟ وهي ذاتها المعروفة بقدرتها على قمع الديمقراطيّة في تركيا.

ربما كان إنقلاب 15 يوليوز  الفاشل  في تركيا إنقلابا حقيقيا غير أنه  كان غير مدروس ومن صنع هوات. أما الرّد على هذا الإنقلاب  فكان مخطّطا له. في نهاية يوليوز عُزل أو أوقف 50 ألفا من عسكريين وقضاة واساتذة وعمداء جامعات . ومنذ ذلك التاريخ والأعداد ترتفع حتى أن كافة صحف المعارضة قد أوقفت عن الصدور. مشهدٌ  غير مسبوق في القرن الواحد والعشرين. كانت عمليات  التطهير  هائلة وبلا حدود ، لقد ضَرَبتْ جميع معارضي النظام من علمانيين و"غولينيّين". إثر الإنقلاب، وجّه أردوغان أصابع الاتّهام بالمؤامرة فورا الى "غولين"، هذا الإسلامويّ المحنّك الذي لجأ الى الولايات المتّحدة وأصبح على رأس امبراطورية مالية واسعة. كان الرجلان ومنذ أمد ليس ببعيد يتآمران معا لتفكيك العلمانية. وقد نجحا في ذلك، غير أن أردوغان، وفور تسلّمه الحكم عمل على تأميم شبكة المدارس الدينيّة التابعة "لغولين" ليحوّلها الى مدارس عامّة (مما يسمح، كمثال على سبيل الحصر، ارتداء الحجاب منذ الصّغر). لم يرُق الأمر  لرجل الأعمال  كما أنه لم يرقْ لصحفه وللقضاة المحسوبين عليه . وقد رأى أردوغان يد غولين في سسلسلة القضايا الإعلامية والقضائية التي تعرّض لها والتي كشفت للرأي العام عن تورطه الواسع في عمليات الفساد. هذه هي الحرب الحقيقية التي تدور وقائعها دون رحمة بين الاسلامويين الأتراك: فهي حرب تجارية وليس حرب عقائدية. 

وفي المقابل،  دفعت الأسباب الإيديولوجيّة أردوغان الى إخضاع المجتمع الديمقراطي العلماني برمّته. وقد تم ذلك عبر القمع الوحشي لإنتفاضات  "ميدان التقسيم " الديمقراطية وسحق الكماليين في الجيش من خلال "ملف إرجينيكون " وهو ملف لمؤامرة عسكرية ضخّمها أردوغان  لا بل فبركها.

إن الذين يحاولون طمأنتنا
بالحديث عن  "الاسلاموية المعتدلة" في وصف  "حزب العدالة والتنمية" قد أخطئوا كثيرا. فرجال السياسة الذين يؤمنون بالسموات على حساب الحق والقانون هم الذين يضربون القانون. لقد أعيد إنتخاب أردوغان مجدّدا في أجواء مريبة، ولم يكن باستطاعته الإدعاء بالديمقراطية مطلقا، إذ راكم كل عيوب يقترفها "متسلّط حديث":  لقد أخفى الإخوانيّات الإسلاموية التي كوّنته، وأخفى حلمه بإعادة التوهج الإمبريالي للخلافة العثمانية واستعمل الأساليب السلطوية إياها التي اعتمدها أتاتورك بما في ذلك الفساد. هذه هي صورة الرجل التي تعتمد عليه حربُنا ضد التّطرف! أما الأميركيون فكالعادة لم يدركوا ذلك الا مؤخرا ... غير أنّهم لم يتخلَّوا عنه.

على أرضية الواقع، انكشفت لعبة الأتراك المزدوجة إذ أرسل أردوغان دبّاباته لتطلق النار على الألوية الكرديّة في "رو
جافا" وذلك بالإرتكاز على ميليشيات من أقصى اليمين التركي كمثل الذئاب الرماديّة.

كل الأساليب التي تمنع الأكراد من الإنتصار على داعش جيّدة بالنسبة الى الأتراك . وكل الأساليب جيّدة للقضاء على حلم الأكراد بدولة كردستان القريبة جدا من حدود تركيا. فكم هو غريب مثلا ان تنسحب قوى الدولة الإسلامويّة من بعض المدن  مسهّلة الصدام بين طرفي  التحالف الدولي التي  سُخِّرت للقضاء على داعش.


لحزب العمال الكردستاني عيوب كبيرة وأخصّها العمليات الإنتحارية التي يقوم بها دفاعا عن قضيّته. غير أن "أوكلان" ومن سجنه دعى الى الهدنة.

إن النساء المقاتلات الكرديات في صفوف "أوكلان" كما الألوية  الأخرى المختلفة الثقافات  مقاتلات شرسات "
كالنساء الكرديات المقاتلات YPJ"  او "وحدات حماية الأكراد YPG"  هؤلاء هم الحلفاء الأجدر ضد "الإسلامويين"  وكان على أردوغان حمايتهم، إذ لا يمكن أن يتحوّل موقعه في التحالف الى موقع مطلق الحريّة في سحق  معارضيه  وذبح  الأكراد وشق المقاومة وربما دعم مشروع إقامة خلافة تركية بديلة ... خلافة  تبدو أكثر تأثيرا واستمرارية في الزمان والمكان من  "خلافة"  داعش.

كارولين فوريست  في مجلة ماريان