الجمعة، 25 نوفمبر 2016

انتباه ! الديمقراطية المتحولة





ماريان العدد الاسبوعي من 25 نوفمبر إلى الأول في ديسمبر 2016


أولئك الذين لم يروا مجيأ البريكسيت، أوترامب أو الإقالة القطعية  لساركوزي لم يفهموا الى أي حد أصبحت الديمقراطية العالمية تتحول. للأفضل كما للأسوأ.

منذ بضع سنوات حتى الآن، يمكن اعتباره العصر الحجري، يظهر استطلاع للرأي مرشحين يتم اختيارهم بواسطة لعبة الاجهزة. كنّا نقوم امّا بمتابعة برامجهم أم نرفضها، يتم فك لغزها وشرحها من قبل هيئات ووسطاء  وفق أهوائهم أو ثقافتهم الأيديولوجية.

أمّا العالم الجديد فهو أكثر اضطرابا، وأقل قابلية للتنبؤ. الانتخابات هي بمثابة مسابقة "نيو ستار". يتم تنقيط كل أداء اعتباطيا على الشبكات الاجتماعية، من قبل لجنة التحكيم التي تتوفر على نفس حسن النية التي تتوفر عليها لجنة تحكيم التزحلق الفني على الجليد.

بين الاستهجان. استنكارات مجهولة المصدر والهجمات المفترية. المتزلج الذي يخوض هذه التجربة يخرج بنفس اللكمات التي يتلقاها الملاكم تحت الحزام.

مرحبا بكم في الديمقراطية 2.0! تتلخص غالبا في الاختيار بين مرشح يشتبه في كونه مقرّبا من قطر ومرشح يشتبه في كونه مقرّبا من روسيا. كلاهما من الحيوانات المفترسة الكبيرة والمفسدة للسيادة، ويحقّ للناخبين توخي الحذر منهما. ولكن نظرا للتهديد الجدي للهجمات الإرهابية موازاتا مع التقدم الحقيقي والخطير للدعاية الرقمية الروسية (في المواقع المشهورة باعادة الاخبار، والتي هي بديل للبرافدا)، فحملة المرشح الذي يساند  بوتين تمر في أجواء هادئة أكثر من التي تغض الطرف عن بعض التيارات الاسلامية مثل الاخوان المسلمين. فاسألوا ألان جوبيه أو هيلاري كلينتون!

لا بأس إذا كان ذلك سيخدم مصالح المتنافسين  الذين هم أنفسهم متورطين، البعض محاطين باصوليين والآخرين مفتونين بالحكام المستبدين، فالديمقراطية 2.0 لا ترى أبعد من انفها. بين شرّين وهجمتين، يتوخى مستخدم الأنترنيت الحذر (وعن حق) من حقائب قطر دون الانزعاج (وعن خطأ) من الحقائب الروسية.

هذا هو السبب الذي جعل نفس العالم الذي انتخب دونالد ترامب، هو نفسه الذي أوقف رقصة البوما لنيكولا ساركوزي. حسنا، ليست بالضبط نفس العالم. ففي الولايات المتحدة، لقد أخرجت دعاية الشبكات الاجتماعية، ديمقراطية الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) تماما عن مسارها، كما انا ترتكز على انتخابات بدورة واحدة. هناك، يمكن للمرشح أن يكون على رأس القائمة عند الناخبين الكبار حتى ولو حصل على مليون صوت أقل!

أما نحن فلدينا انتخابات رئاسية بدورتين. تتطلب من الناخب استراتيجية أكبر وقبل كل شيء فهي تتحكّم  أكثر في خطر الشعبوية. حتى عندما تنفخ شياطين الخوف والغضب في أشرعة من هم أسوأ.

فما قبل خمسة عشر عاما، بدت مؤسسات الجمهورية الخامسة جامدة وغير قادرة على التجديد. لكنها استدركت الامر عندما انتقلت الولاية الى خمس سنوات، وتمت إضافة انتخابات تمهيدية، فربما تكون قد وجدت التوازن في هذا العالم غير المستقر عبر احتواء التطرف، وفي نفس الوقت، إحباط سيناريوهات مكتوبة مسبقا.

دعونا نتذكر حالة المعنويات المتدهورة لهذا البلد عند دخول شهر شتمبر. أنهكتهم التفجيرات، وانتابتهم حالة من اليأس لفكرة الذهاب إلى نفس اللوائح الانتخابية الرئاسية الأخيرة. سيناريو مهين وخطير حيث نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند يعيدان خوض المبارزة مع خطر ابراز مارين لوبان كبديل.

أما في السيناريو الجديد الذي هو من تأليف الانتخابات التمهيدية، فالناخبين هم الذين قرروا
 في مَن يتصدر الاّفتات. بفضل تعبئتهم، قدّم لنا حزب اليمين مبارزة حقيقية بين خيارين جوهريين، لا شكليين فقط: يمين شيراك ضد يمين بوتين.

ومن دون تعبئة قوية من الناخبين من الوسط واليسار، فلا أرى كيف سوف لن يفوز يمين بوتين. إذا كان هذا هو الحال، فإن احتمال وجود اليمين المتطرف سوف ينقص قليلا من الأوكسجين عن الجبهة الوطنية ( الايف اين)، ولكن أيضا
 سوف يفتح الأمل لليسار. جبهة أكثر اتحادا لرفض كتلة مارين لوبان وبرنامج جد يميني والتاتشرية و"منيف للجميع" لفرانسوا فيون.

وهذا يعني إفشال السيناريو الاخير: اعتقاد أن هذه الفزاعة تكفي. فللبقاء على قيد الحياة في هذه الانتخابات، يجب على حكومة اليسار خلق المفاجأة أيضا. وتقديم مرشح جديد. مطمئن واصلاحي وذو مصداقية أوقات الإرهاب والثورة المحافظة، ولكن يختلف عن المرة السابقة. هل فرانسوا هولاند على استعداد أن يقوم بهذه التضحية حتى يمكِّن بلده من فرصة جديدة؟


كارولين فوريست

الجمعة، 18 نوفمبر 2016

هؤلاء "المزيفين" المناهضين للنظام




يجب دائما
أخد الحذر من السياسات التي تنفجر ضد النظام. انّها الأسوأ. وريثة سانت كلاود تعيش بالديماغوجية السياسية الموروثة من الأب الى الابنة. فالرئيس السابق لبلدية نويي كان يحلم دائما بالاغتناء عن طريق قيادة سياسة في خدمة الأغنياء.

سياسة يتحمل مسؤوليتها البرلماني اللبرالي لباريس، انتخب بفضل الدائرة السادسة لباريس ولكنه في نفس الوقت يصفع نخبة سان جيرمان دي بري. لا أتحدث عن المحامي الذي ... ترك شركة بيغماليون تقوم بما قامت به. أو المتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة والذي يسمي نفسه مضاد لخريجي هذه المدرسة لإرضاء صناديق الاقتراع. أو الطفل المدلل الذي مر من صرّاف الى وزير، والذي أرجع بدلة عمله ليصبح بدوره وبسرعة رئيسا دون المرور عبر الانتخابات التمهيدية ... آه، انهم وسيمين هؤلاء المناهضين للنظام، معنيين بشكل مؤكد بأحوال الشعب، حقّا!

ولكن عن أي نظام يتحدثون عنه؟ ولماذا لم يُعرٍّفون به قط؟ فاذا ما قدَّموا لنا توضيحات حول النظام ستُفضح مناوراتهم. فالنظام، في أفواههم، لا يعني الشبكات المالية غير المضبوطة ... ولكن الديمقراطية التمثيلية المكونة من السلطات
المضادة والهيئات الوسيطة. أمر مقلق عندما نفضل الديماغوجيا الديمقراطية المباشرة على طريقة الدمقراطية "الشعبوية".

نحن نتفهم مصلحة ساركوزي في استهجان الهيئات الوسيطة التي تُذكّره بالدستور أو الصحفيين عندما يُذكّرونه بحصيلته . ولكن ما هي الفائدة من تصديق هذا الامر؟ هل يجب على المرء تقبل التلاعب حتى يصبح جزءا من "الشعب"؟

لقد نشأتُ في منطقة الجنوب. قبل ان أصل إلى باريس، واشتغلت في الصحافة، وكنت
أعتقد انا أيضا، أن الصحفيين والسياسيين عبارة عن حيوانات غريبة ومنقطعة عن "الشعب". لكن الامر عكس ذلك تماما: هم أناس شغوفين بالمعرفة، محتدمين أكثر بالآخرين وبالمصلحة العامة، بالنسبة لما هو عليه عامة الناس.

حقا هناك العديد من الاستثناءات. الصحفيين أشباه النعام. يوم يخطئون. وفي اليوم التالي، يهاجمون وسائل الإعلام خوفا من تعرضهم للإقصاء. فالنعامة متقلِّبة. وخيانة المثقفين موجودة. لكن البعض الاخر أكثر تبصّرا ينددون بهؤلاء الخبراء ويستنكرون مسؤولية الاسلام الراديكالي أو أضرار العولمة. ولماذا القيام بهذا الخلط؟

لقد فقد الصحفيون بصرهم. كما أنه ليست من مهامهم ولا من مهام استطلاعات الرأي التكهّن ما قد يصوت المواطنون به. كما لو كان الامر عِلم دقيق. ذلك من شأنه ان يُشكل مؤامرة النظام! والدليل القاطع على أن لا وجود لها، هو أن الناخبين هم فقط من يصيِّروا الانتخاب. وهذا أمر جيد!

بما انني كتبت أن ترامب كان من المرجح أن ينجح في الانتخابات في فبراير ثم شتنبر عام 2016، أود أن اطير لإنقاذ كاتبي الاعمدة الذي لم
يرغبوا في تصديق ذلك. فالبعض فقدوا أبصارهم. والبعض الآخر رفضوا ببساطة كون دجّال وعنصري ومعتدي جنسيا، يقطن بالبيت الأبيض. لديهم الحق. بل لعله أمر صحي للغاية.

واليوم يقال لنا بكل الوسائل الممكنة أن دونالد ترامب، في نهاية المطاف، سوف "يتطبّع".
فالفكر الملائكي
بالتأكيد مرض غير قابل للشفاء. فقد لن يقوم ببناء جدار حقيقي ضد المكسيكيين (مجرد سياج)، ولن يحظر الأراضي الأمريكية تماما على المسلمين الأجانب، أو حتى القيام بتمزيق بوحشية معاهدة كوب 21. ولن يمكث طويلا معتمدا سياسة الانعزال نظرا لحالة العالم وتقلّباته.

ومع ذلك فترامب هو بالفعل تحت تأثير بوتين ويتعهد بتعيين قاضي مناهض للإجهاض في المحكمة العليا كما يستعد لإعطاء مفاتيح البيت الأبيض لستيفن "ستيف" بانون، أحد الدعاة لألت رايت (بديل اليمين)، يمين متطرف ومدافع عن الهوية وكاره للنساء ومعاد للسامية والمثلية الجنسية ومناصر لنظرية المؤامرة. فاليهود والنساء والمثليون جنسيا مضطهدين منذ زمن من قبل الإسلامويين، سيصبحون مضطهدين ايضا من قبل القوة الناعمة الأمريكية!

في عهد أوباما، كان البيت الأبيض يدعم الحركات الموالية للحجاب مما يخدم مصلحة الأصوليين. وتحت ترامب، سيتم تشجيع الهوية واليمين المتطرف الذي تقوم القوة الناعمة الروسية بمساعدته منذ مدّة ... مستقبل مُشعّ وحملات انتخابية متسمّمة مضمونة.

ويكفي أن نقول أن هناك ضرورة ملحة لمقاومة دعاية من هم مناهضين للنظام. كما حان الوقت لوقف السخرية عن بعض السياسات الأكثر عقلانية. هناك العديد من الدمى المضحكة التي تتطابق مع وصف مقتضب للمستفيد الساخر. ولكن هم بالضبط أولئك الذين يريدون أن ينتخبوا عن طريق شجب النظام!


كارولين فوريست

الأحد، 23 أكتوبر 2016

السقوط...وماذا بعد؟


انتكاسة الخليفة الداعشية تتواصل. سوف تكون بطيئة كسكرات الموت وقذرة مثل حرب حقيقية. هي حرب لم نُعلنها، ولكن علينا النجاح في شنِّها إذا أردنا ان نعيش في سلام.

لن يختفي التطرف، لكن علمه بدأ يتأرجح. وقدرته على انبعاثه من حطامه متوقفة على كيفية تناول سقوط أول منظمة إرهابية أعلنت نفسها "خلافة".

ضمت داعش مدينة الموصل عن طريق الخداع. وقامت باحتلال أراضيها وسكانها وفق تقاليد استعمارية عريقة وبعاداتها وابعادها الاستعبادية. ومع ذلك، فعند سقوطها، سوف تبدُل قصارا جهدها حتى تبدو وكأنها شهيدة الامبريالية ... وهذه المظلومية سوف تغذي تهديدات الغد. ومن هنا تأتي أهمية اخذ الحيطة في الكلام وعدم سرد أيّ شيء لمجرد تقلّد روح الجلد الذاتي في هذه المعارك المتواصلة وهذا المنعطف الدرامي الذي حتما ستعرفه.

فبالكاد مرت ساعات معدودة من بدء الهجوم، قام بعض المتخصصين في الجهادية، وأحيانا محطات حقيقية لداعش، بالتغريد بشكل مسعور. البعض منهم يضفي شيء من النسبية في فقدان مدينة دابق. فبالنسبة له لا يبدو الأمر خطيرا جدا! غير أنه نسي ان الخلافة جعلت من مدينة دابق رمزها الاول، الى درجة اتخاد اسمها تسمية لمجلتها الدعائية، والتي أصبحت حاليا عنوان اندحار وليس انتصار. لقد هزم العثمانيون فعلا المماليك عام 1516  في دابق ثم شقوا طريقهم بعد ذلك. وقد اقنعت الخلافة الجديدة المتعصبين انها أيضا ستفوز في النصر النهائي في دابق شمال حلب، قبل الانطلاق ما وراء البوسفور ونشر إمبراطوريتها.

الاّ انه كما يحدث في كثير من الأحيان، أخفقت هذه التنظيمات الألفية والعرّافات المحيطة بها في التنبؤ بالمستقبل. خاب أمل اشبال الذئاب الذين كانوا مقتنعين بخدمة إمبراطورية ذو مستقبل واعد، كما فقد اتّزانه وثقته في النفس. لأن ما حدث هو العكس. فقدت الخلافة المخادعة دابق امام المتمردين السوريين بمساعدة الأتراك. عند رؤية اقتحام القوات العثمانية السابقة لأراضيها (وليس جيوش روما، كما كانوا يتوقّعون)، وحتى ان الجهاديون لادوا بالفرار على ما يبدو. خوفا من أن يتواجدوا على الجانب الخطأ من النبوءة في نهاية المطاف؟ أو بسبب وجود "صفقة" مشبوه بين خليفتين اثنين، البغدادي وأردوغان كما اشتبهت وسائل الإعلام الكردية في ذلك؟ سيحكي لنا التاريخ عن ذلك فيما بعد. وفي انتظار ذلك وعكس طموحها في التوسع أصبحت رقعة الخلافة الداعشية تنكمش يوما بعد يوم.

لقد تم استرجاع تسع قرى، مليئة بالألغام، محيطة بالموصل. لكن المرحلة الصعبة بدأت للتو. فاستعادة السيطرة على ثاني أكبر مدينة في العراق عملية متواصلة وربما تستغرق عدة أشهر، وستكون رهيبة. وعلى الرغم من الاستعدادات الطويلة، ليس هناك هجوما يهدف استعادة السيطرة على مدينة يصل عدد سكانها مليون ونصف نسمة من دون ان يخلف ضحايا في صفوف المدنيين. لمنشورات التي تدعو الى الاختباء في المنازل لن تساعد في شيء. والخيام المصممة لاستيعاب الفارين من القتال لن تكفي. انه طوفان ومأساة إنسانية في طور استعداد.

امام أولى الصور المؤلمة، سيتم محاكمة التحالف... بل أولئك الذين كانوا يوضحون لنا الأمس كيف ان بوتين كان على صواب عندما باشر الأمور دون مقدّمات ودون أي مراعات للساكنة. وبعد أقل من خمس ساعات من بدء الهجوم، وهو مستاء من كونه لم يعد موضع ترحيب في باريس بسبب جرائمه في الحرب، أبدا الرئيس الروسي مستمتعا وهو يعطي الدروس. حيث قال انه يدعو الاله حتى لا يتسبب الاميركيين والفرنسيين في اسقاط الكثير من "الضحايا بين السكان المدنيين" هذا هو المستشفى - أو حليف من يقصف المستشفيات - الذي لا يبالي بالصّدقة.

الاّ اذا تم لخلط بين غرنيكا والإنزال في النورماندي، فليس من المعقول القيام بالمقارنة بين الاسترجاع الضروري للموصل والقصف غير الضرورية لحلب. ففي حالة حلب، يستهدفون المدنيين والمعارضين الذين لم يهددوا قط مصالح روسيا لإنقاذ طاغية، في حين أنه تم التوصل إلى هدنة سياسية ! في حالة الموصل، الهدف هو تجنب سقوط أكبر عدد الضحايا المدنيين للاسترجاع المدينة من قبل دولة شمولية أعلنت الحرب علينا، والتي قتلت فوق أرضينا، والتي لا يمكن التفاوض معها. وهذا يناسب معايير نظرية مايكل والزر للتمييز بين "الحروب العادلة" و"الحروب الظالمة". أولئك الذين يرفضون التمييز يختارون التحيز الى الجانب المجحف، الجانب الظالم.

كارولين فوريست


الجمعة، 21 أكتوبر 2016

اليسوع قلب البلديات ومخاطر العلمانية ذات الملامح المتقلّبة

العلمانية ذات الملامح المتقلبة تحمل دائما في طيّها إشارات سيئة. كيف يمكننا الاقناع بضرورة ازالت الحجاب داخل الأقسام إذا قبلنا بتواجد تماثيل اليسوع داخل قاعة البلديات؟




في بادئ الامر هناك لُبس علينا رفعه فورا. قد نكونوا علمانيين ونستمتع في نفس الوقت برؤية حضانات عيد ميلاد اليسوع. خصوصا عندما نكون قد ترعرعنا في البروفانس (مدن أخرى غير باريس)، وهذا هو حالي. لدي ذكريات جميلة جدا عن هذه الأوقات التي كنا نقوم فيها بنزهات في الغابة لالتقاط رغوة الربيع، وشراء التماثيل في السوق (حيث كان الملوك الثلاث هم المفضلين لدي)، ثم نقوم بتنضيد قرية صغيرة، مثل المسرح على رف الموقد. لقد كانت لحظات سحرية.
كما لا تحظُرمقتضيات قانون 1905 أيّ عائلة من الاستمتاع بسحر عيد ميلاد اليسوع، أكان ذلك في منزلها أو في السوق. غير ان السؤال المطروح هو ما إذا كان على الأموال العامة تمويل حفل تقليد ولادة اليسوع، في بيوتنا المشتركة المتمثلة في البلديات أو مجالس المقاطعات؟ الجواب بالطبع هو لا.

مقتضيات قانون 1905
حتى في الولايات المتحدة، تعتبر هذه الممارسة في تنافا مع "الجدار الفاصل". أمّا في فرنسا، فمقتضيات قانون 1905 وخاصة مادته 28 واضحة جدا: "لا يجوز لأي شخص، في المستقبل، رفع أو وضع أي علامة دينية أو شعار ديني على المعالم العمومية".

فمن اجل الدفاع عن هذا الفصل وعن العلمانية المشتركة، قام صاحب "الفكر الحر" بتقديم دعوى ضد عدد من رؤساء البلديات والمجالس لانتهاكهم مضامين هذا القانون. لقد حكمت المحكمة الإدارية لصالحه ضد مجلس فاندي. هذا المجلس الذي اختار لسنوات عرض داخل بهوه اثنين من التماثيل العملاقة للمسيح ولمريم ...على حساب المال العام.

صفعة أهدانا إيّاها فيليب دو فيلييه ضربا في مبدئ الفصل بين الدين والسلطة، انه السفير المثالي لهذا العمل الكهنوتي والمعادي للعلمانية، غير انه كان الهدف منه بالطبع شن حرب ضد الإسلام. ما زال متعنِّتا في عدم قبول قانون البشر، فقد كيّف الفيكونت عمل التذكير بقانون الجمهورية ب"الشمولية".

اما رئيس بلدية بيزييه، روبير مينار، فقد دعا صراحة ب"العصيان المدني" وانشأ حضانة للمسيح في بلديته.

تبدوا الامور في كلتا الحالتين واضحة على الأقل. فعن طريق خرق مقتضيات قانون 1905 ينكشف اليمين المتطرف واليمين الكهنوتي باتهام الجمهورية بديكتاتورية معادية للمسيحية بينما هي (الجمهورية) تبادر الى فرض مبدأ فصل الدين عن السلطة. انّ الاعتناق المتأخر من قبل اليمين المتطرف واليمين الكهنوتي للعلمانية ليس سوى حيلة وقناعة تستهدف الإسلام دون غيره من الديانات. وهذا الامر خدعة مُتقنة.

غير ان مواطنين آخرين وعن حسن قصد، لا يرون أين تكمن المشكلة. هؤلاء عليهم رفع أعينهم عن التماثيل حتى يروا أبعد من ذلك. فما يهدد توازن فصل الدين عن السلطة هو فسح المجال لرقصة التوافقات. إذا أقدمنا على قبول استثناءات تواجد تماثيل الصغيرة لليسوع داخل البلديات، فما الذي يمنع من القيام بالمثل مع الآخرين؟

دوامة التوافقات
ان تقديم تنازلات للعادة اللطيفة لتمثيل حضانات ميلاد المسيح قد يضع فرنسا في مأزق دوامة المطالبات والخصومات المجتمعية التي لا نهاية لها. فالملامح المتقلبة (او الهندسة المتغيرة) للعلمانية تحمل دائما في طيها اشارات سيئة. كيف يمكننا اقناع ازالت الحجاب داخل الاقسام إذا قبلنا بتواجد تمثال اليسوع داخل قاعات البلديات؟

ليست الطرق متعددة في مجال المساواة بين الأديان. فإمّا أن نتأكد من عدم تفضيل دين على آخر عن طريق فصل الدين عن السلطة واما الاعتراف بجميع الديانات، وبالتالي الخوض في سباق الاستثناءات. فما نحتاج إليه هو قاعدة واضحة ومناسبة للجميع.

المطلوب هو رؤية واضحة لمجلس الدولة
في فاندي، فاز الفكر الحر. ولكن في ميلون، انهزم ضد حضانة أخرى داخل بلدية. ان قرارات المحاكم تختلف من مدينة ومن محكمة إلى أخرى، لذلك وجب علينا اللجوء إلى مجلس الدولة لتوضيح الرؤية.

واعتبرت المقررة العامة، أوريلي برتونو، أن المادة 28 من القانون 1905 "لا تمنع من تثبيت حضانات اليسوع داخل الملك العمومي" ما لم تثبت "نية دينية" وراء هذا الفعل. فهو بالتالي قرار "مشروطة" غير انه يفتقر إلى الدقة. إذا كان الهدف منه يقتصر فقط على منع "التبشير"، كما اوضحت المقررة، فسوف يعتبر بعض رؤساء البلديات ضمنيا أن تمثيل رضيع في حضانة هو امر لا يمت "التبشير" بصلة.

في الواقع، فإن مجرد وجود علامات أو أحرف مرتبطة بالدين امر ينبغي أن يتم حظره بشكل أكثر وضوحا. الحل الذي أقترحه في عبقرية العلمانية يذهب في هذا الاتجاه. فهي تحترم في نفس الوقت التقاليد ومقتضيات المادة 28 من قانون 1905: نعم للحضانات الثقافية داخل المباني العامة، ولكن خالية من الرموز الدينية.

دور الحضانة العلمانية
يمكن توجيع ابداعنا نحو خلق حضانات تصور قرية بروفنسال دون اليسوع أو الملوك الثلاثة، أو يوسف أو مريم. فهناك العديد من الشخصيات أخرى بين التماثيل. بعضها يحكي عن الحِرف القديمة لهذه المدن: طحان الزرع، حفار أبيار ... هذه الحضانات تتحدث عن ثروات جهاتنا وعن ثقافتنا، وكل ما يجمعنا وليس ما يفرقنا. فقد يكون لهذه الحضانات الثقافية وغير الطائفية، مكان داخل المباني العامة.

كمثل التّنّوب أو شجرة عيد الميلاد، هذا الرمز الوثني الجميل الذي اقتبسه المسيحيون، وتجاوز الحدود الدينية. انّ "شجرة الحياة" كعطلات موسم نهاية السنة هو رمزالانتقال إلى فصل الشتاء. الرغبة في افراغ الفضاء العام من التّنّوب أو سانتون (تمثال اليسوع)، خوفا من الإساءة إلى "ديانات أخرى" قد يكون داخلا في إطار التلاقح التقافي (التثاقف). أماّ عرض المسيح داخل قاعات بلدتنا ينمّ عن خلفية قديمة تُلوح بتفوُّق وطغيان الهُوّية.

فلم يستطع احدا حتى الآن اختيار، داخل إطار هذين التوجهين، مسارا أنسب من مسار فصل الدّين عن السلطة. لأنها تخوّل لنا فرز الزرع السمين للثقافة من غثّ الهيمنة.

كارولين فوريست

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

عبقرية العلمانية: العلمانية ليست سيفا ولكنها درعا

https://carolinefourest.wordpress.com/

بقدر ما تستحضر العلمانية بقدر ما تتشابك مفاهيمها. لقد اصبحت عبارة عن ساحة معارك. ففي هذا البحث الدقيق، البيداغوجي والحيوي قامت كارولين فوريست بالتمييز بين ثلاثة أنواع من العلمانية في حالة حرب. العلمانية بمفهومها الاصلي المجرد، ثمرة توافق 1905. وعلمانيتان مغريتان تسعيان إلى إعادة التفاوض حول هذا التوافق. ترمز الأولى منهما الى التعددية الثقافية، الأنجلو سكسونية، التي يقال عنها "متفتحة" الى حد المخاطرة بقبول تسويات غير معقولة لصالح "حرية دينية" مهيمنة على المدى، والى حد تسهيل صعود الأصولية والتطرف. والإغراء الآخر، خاضع لأحادية الثقافات، للمعيارية، من مناصري الهوية، منطوي على نفسه، ذو اوجه متقلبة، يتملق للهوية وللتجاوزات القانونية كلما تحدث باسم الهوية المسيحية ويجيز الإقصاء والتمييز كلما تعلق الامر بالإسلام. غير أن العلمانية، وان كانت ممزقة بين الاثنين، تبقى بمفهومها المجرد وبدون نعوت، في حد ذاتها ممزقة ومنجرفة بالسياق الجديد، الذي لم يعد نفس سياق عام 1905، وقد تنتقل من منظور متوازن الى رؤية أكثر استلزاما. تقوم هنا كارولين فوريست بالدفاع عن وجهة نظر متوازنة للعلمانية، دون تقديم تنازلات لأولئك الذين يسعون إلى إضعافها. فهي تضع الأسس للتوافق كما للفاصل فتعيد إحياء فحواهما من جديد. توازن يميز بوضوح بين الفضاء العام والفضاء الخاص، بين مستويات مختلفة من المتطلبات حسب ما إذا كان فضاء للحرية أو فضاء للتقيد، مع الدفاع من اجل الحرص الدائم على اليقظة اتجاه الدعاية التي تعمل جاهدا لاعتبار هذا التوافق نوع من أنواع التعصب. هي علمانية لا منغلقة ولا "منفتحة"، لا إيجابية ولا سلبية، لا عنصرية ولا "معادية للإسلام". ولكن ثمرة طموح وجهود يجب استرسالها، خاصة في المدرسة، هذا إذا كُنا نريد حقا حماية حرية الضمير (بما في ذلك حرية المعتقد)، والتحرر والمساواة والإخاء أو في كلمة واحدة، حماية الجمهورية.

كارولين فوريست

"عبقرية العلمانية: العلمانية ليست سيفا ولكنها درعا"، دار الناشر كراسيه، اكتوبر 2016  




الأحد، 9 أكتوبر 2016

عندما تذرف أعيُننا الدّمع على حلب


كان على طوفان من النار أن يعُمّ حتى نبكي على حلب. لقد أثارت الصحافة واقعة قصف غرنيكا. وتحدثت الامم المتحدة عن "جرائم حرب" بعد إعادة تصوروهم الهدنة الكاذبة للمرة الألف، فتدفقت الدموع، ووفدت أخيرا صرخات الاستغاثة، فاستيقظ حِسّنا واقشعرّ جلدنا. هل صرنا تحت تأثير البنج أم أصبحنا وحوشا؟ إن تقديم التوضيحات يستهوي دائما. فكُلّما ارتُكبت فظائع في منطقة الشرق الأوسط، تجدون عقولا وسيمة مستعدة لمحاكمة الديمقراطيات الغربية. لقد أصبح عكس المسؤوليات موضة شائعة.

والحقيقة هي أن الأسد وبوتين هم من يتحمّلان مسؤولية الفوضى في سوريا. لم نتوقف من الاحساس بالقلق، ولكننا وجدنا أنفسنا عالقون من كل ناحية. من قبل الطغاة الذين يقتلون شعبهم والإرهابيين الذين يهددوننا، وجزء من الرأي العام الذي يعلّق آمال انقاذنا من التهديد الإرهابي على الطغاة. بيد انهم يقومون بتغذيته.

معزوفة مألوفة

كاتّهام الديمقراطيات الإمبريالية عندما تتحرك لمنع المجازر، كما هو الحال في ليبيا. ثم لعنها عندما تتحفظ على التدخل. علينا أن نتذكر لماذا نحن، الى هذا الحد، عاجزون في سوريا. دعونا نعود إلى بدايات "الربيع السوري". حيث قام معارضين لنظام الأسد بالطلب منا ألاَّ نتدخل، خشية من أن يُنظر إليهم على أنهم عملاء الغرب أو اتهامهم بتلقي الدعم من المثقفين اليهود. لقد أراد برنار هنري ليفي، أن يتدخل. ساعد الجسر الجوي الذي صوت عليه الأمم المتحدة من تفادي مجزرة للشعب ليبيا. غير ان فرنسا ونيكولا ساركوزي ذهبوا بعيدا جدا. فمات الديكتاتور. وعمّت الفوضى في مرحلة ما بعد القذافي، كما يقع في كل المواقف الما بعدية. والتمست روسيا العذر لحماية الأسد من أي "تدخل".


حتى عندما بدأ الدكتاتور السوري يتجاوز كل الخطوط الحمراء، وتركه المجتمع الدولي يفعل ما يشاء، خوفا من وضع اليد في احدى التروس المسننة التي تتخبط فيها العراق أو ليبيا. فالتجاوزات السابقة للتدخلات الغربية، سهّلت الانزلاق في الافراط العكسي: فقام التدخل الروسي بإتمام ما تبقي. فمن دون الدفع بحقه في الفيتو ومن دون قنابله لأضحى عدد الوفيات في سوريا أقل بكثير وكدا عدد اللاجئين على شواطئنا.

المسؤولية لا تنتهي هنا

لم تكن هذه اللعبة الساخرة والقاتلة مُمكنة دون تواطؤ من أولئك الذين تناقلوا دعاية الكرملين إلى الغرب، في أقصى اليسار كما في اليمين المتطرف. فالجبهة الوطنية وحتى بعض اليمينين انهونا من التدخل في سوريا. فبالنسبة إليهم مساعدة المعارضة هو عبارة عن تسليح للإرهابيين الإسلامويين. كان مبالغا فيه في ذلك الوقت. لم يعد الامر كذلك اليوم ... وتحديدا بسبب هذا التراخي. فبسبب قلّة الدعم من الغرب، تراجعت قوات المتمردين الديمقراطيين لصالح المتمردين الجهاديين المسلحين من قبل الأتراك والمملكة العربية السعودية وقطر.

لقد أراد الأسد نفسه تناقل هذه العدوى ليصبح في مأمن من الأذى وبالتالي الحصول على "تفويض مطلق". كما قام بإطلاق صراح الكوادر الاسلاموية من سجونه لتسهيل القضاء بهذه الطريقة على أي بديل بينه وبين الجهاديين. وقد ساعد بوتين على تعفّن المفاوضات السياسية، من جهة، وتحديد أولوياته في قصف الجماعات المتمردة الديمقراطية من جهة أخرى. ما هو الهدف من ذلك؟ فهو واضح وساخر: شلّ المجتمع الدولي ووضعنا أمام الخيار المستحيل. الطاعون أم الكوليرا. الاستبداد أم الإرهاب. جرائم الحرب أو الهجمات الإرهابية. الرعب أم الرعب. هذا ما نحن عليه.

في غياب العزم الأمريكي، اتخذت الدبلوماسية الفرنسية الخط الوحيد الجائز: الدفع بطلب حل سياسي بدون الأسد وضرب الدولة الإسلاموية. دعم جزّار دمشق من شأنه القاء العار علينا، وفي نفس الوقت يُغذي دعاية أعدائنا. أما ضرب النظام السوري فسوف يُحَمِّلنا مسؤولية التروس المُسَنّنة.

فليس على الديمقراطيين الذين رفضوا هذه الحلقة المفرغة الجهنمية، الإحساس بالعار اليوم. بل هو الحال بالنسبة لأولئك الذين طلبوا منّا أن نختار بين الأسد وداعش. لأن أنانيّتهم وقصر نظرهم هما المسؤولتان عن الفوضى العارمة حاليا. فعدم وجود حل سياسي في سوريا، أطلق العنان للجهاديين. وبعدها قام السكان بالهروب إلى شواطئنا تحت وطأة الإرهاب والقصف... وهكذا تسنّى لليمين المتطرف المؤيد لروسيا... تأجيج الخوف من اللاجئين! فبالتأكيد، يعرف هؤلاء الأوغاد كيفيّة الانتصار على جميع الجبهات. 

كارولين فوريست

90  ماريان عدد من 07 الى 13 أكتوبر عام 2016


الجمعة، 16 سبتمبر 2016

أنَحْوَ خلافة تركية؟



في الحرب التي يشنّها علينا داعش، نجد ما يسميه المخرجون السينمائيون  "الحليف الخطأ" : رجب طيب اردوغان هو ذاك الحليف. فسياسته المستمرّة في ازدواجيتها كما انحرافه باتجاه الدكتاتورية  وتهديده المتواصل للألوية العسكرية الكرديّة  تصب  بمجملها في مصلحة المنظمة الإرهابية داعش.

في بداية النزاع السوري، قامت  تركيا و قطر والعربية السعوديّة بالمدّ  بالسلاح  المعارضة الإسلامويّة وميّزتها عن المعارضة الديمقراطيّة لا بل عزّزت سيطرتها....فلو قام اردوغان باغلاق حدوده  مع سوريا  المحتلّة لكان من المستحيل على داعش  الإثراء  من خلال تجارة تهريب البترول ، أو استيراد هذا العدد الهائل من المقاتلين الغرباء أو تصدير الإرهاب الى الغرب. فهل تم كل ذلك لشدّة انشغال مخابرات الشرطة التركية؟ وهي ذاتها المعروفة بقدرتها على قمع الديمقراطيّة في تركيا.

ربما كان إنقلاب 15 يوليوز  الفاشل  في تركيا إنقلابا حقيقيا غير أنه  كان غير مدروس ومن صنع هوات. أما الرّد على هذا الإنقلاب  فكان مخطّطا له. في نهاية يوليوز عُزل أو أوقف 50 ألفا من عسكريين وقضاة واساتذة وعمداء جامعات . ومنذ ذلك التاريخ والأعداد ترتفع حتى أن كافة صحف المعارضة قد أوقفت عن الصدور. مشهدٌ  غير مسبوق في القرن الواحد والعشرين. كانت عمليات  التطهير  هائلة وبلا حدود ، لقد ضَرَبتْ جميع معارضي النظام من علمانيين و"غولينيّين". إثر الإنقلاب، وجّه أردوغان أصابع الاتّهام بالمؤامرة فورا الى "غولين"، هذا الإسلامويّ المحنّك الذي لجأ الى الولايات المتّحدة وأصبح على رأس امبراطورية مالية واسعة. كان الرجلان ومنذ أمد ليس ببعيد يتآمران معا لتفكيك العلمانية. وقد نجحا في ذلك، غير أن أردوغان، وفور تسلّمه الحكم عمل على تأميم شبكة المدارس الدينيّة التابعة "لغولين" ليحوّلها الى مدارس عامّة (مما يسمح، كمثال على سبيل الحصر، ارتداء الحجاب منذ الصّغر). لم يرُق الأمر  لرجل الأعمال  كما أنه لم يرقْ لصحفه وللقضاة المحسوبين عليه . وقد رأى أردوغان يد غولين في سسلسلة القضايا الإعلامية والقضائية التي تعرّض لها والتي كشفت للرأي العام عن تورطه الواسع في عمليات الفساد. هذه هي الحرب الحقيقية التي تدور وقائعها دون رحمة بين الاسلامويين الأتراك: فهي حرب تجارية وليس حرب عقائدية. 

وفي المقابل،  دفعت الأسباب الإيديولوجيّة أردوغان الى إخضاع المجتمع الديمقراطي العلماني برمّته. وقد تم ذلك عبر القمع الوحشي لإنتفاضات  "ميدان التقسيم " الديمقراطية وسحق الكماليين في الجيش من خلال "ملف إرجينيكون " وهو ملف لمؤامرة عسكرية ضخّمها أردوغان  لا بل فبركها.

إن الذين يحاولون طمأنتنا
بالحديث عن  "الاسلاموية المعتدلة" في وصف  "حزب العدالة والتنمية" قد أخطئوا كثيرا. فرجال السياسة الذين يؤمنون بالسموات على حساب الحق والقانون هم الذين يضربون القانون. لقد أعيد إنتخاب أردوغان مجدّدا في أجواء مريبة، ولم يكن باستطاعته الإدعاء بالديمقراطية مطلقا، إذ راكم كل عيوب يقترفها "متسلّط حديث":  لقد أخفى الإخوانيّات الإسلاموية التي كوّنته، وأخفى حلمه بإعادة التوهج الإمبريالي للخلافة العثمانية واستعمل الأساليب السلطوية إياها التي اعتمدها أتاتورك بما في ذلك الفساد. هذه هي صورة الرجل التي تعتمد عليه حربُنا ضد التّطرف! أما الأميركيون فكالعادة لم يدركوا ذلك الا مؤخرا ... غير أنّهم لم يتخلَّوا عنه.

على أرضية الواقع، انكشفت لعبة الأتراك المزدوجة إذ أرسل أردوغان دبّاباته لتطلق النار على الألوية الكرديّة في "رو
جافا" وذلك بالإرتكاز على ميليشيات من أقصى اليمين التركي كمثل الذئاب الرماديّة.

كل الأساليب التي تمنع الأكراد من الإنتصار على داعش جيّدة بالنسبة الى الأتراك . وكل الأساليب جيّدة للقضاء على حلم الأكراد بدولة كردستان القريبة جدا من حدود تركيا. فكم هو غريب مثلا ان تنسحب قوى الدولة الإسلامويّة من بعض المدن  مسهّلة الصدام بين طرفي  التحالف الدولي التي  سُخِّرت للقضاء على داعش.


لحزب العمال الكردستاني عيوب كبيرة وأخصّها العمليات الإنتحارية التي يقوم بها دفاعا عن قضيّته. غير أن "أوكلان" ومن سجنه دعى الى الهدنة.

إن النساء المقاتلات الكرديات في صفوف "أوكلان" كما الألوية  الأخرى المختلفة الثقافات  مقاتلات شرسات "
كالنساء الكرديات المقاتلات YPJ"  او "وحدات حماية الأكراد YPG"  هؤلاء هم الحلفاء الأجدر ضد "الإسلامويين"  وكان على أردوغان حمايتهم، إذ لا يمكن أن يتحوّل موقعه في التحالف الى موقع مطلق الحريّة في سحق  معارضيه  وذبح  الأكراد وشق المقاومة وربما دعم مشروع إقامة خلافة تركية بديلة ... خلافة  تبدو أكثر تأثيرا واستمرارية في الزمان والمكان من  "خلافة"  داعش.

كارولين فوريست  في مجلة ماريان

الأربعاء، 31 أغسطس 2016

كذّابة، أقُلتم كذّابة؟




قامت محكمة الاستئناف في باريس بإقرار ما صرَّحت به في برنامج "لم ننم بعد" (أوني با كوشي) في مايو عام 2015. لقد أكدت التقادم الفعلي للشكوى (التي قُدمت ضدي) منذ يناير 2015، وذلك قبل عدة أشهر من تسجيل هذه البرنامج، والتي كانت سبب لوم إيميريك كارون. فقد حُكمت الدعوى التي رفعتها السيدة ربيعة بنتوت لصالحي، كما حكم على المدعية بالدفع لي 4000  اورو ثمن الصوائر المسطرية.

على هذا،
حيث أن الاستئناف تم تقديمه من طرف المدعى عليها ضد الحكم الصادر، بتاريخ 29 أكتوبر2014 . وحيث أن المقال الاستئنافي يعيب على المدّعية أنها لم تُوكل محامي الا بتاريخ 27 مارس 2015، والذي لم يقدم مذكرته الاستئنافية الاّ بتاريخ 30 مارس 2015.
وحيث ان الاجراءات المسطرية التي أَقدمت ربيعة بنتوت باتباعها تجاوزت الثلاثة أشهر المسموح بها كما جاء في الفصل 65 من القانون الصادر في 29 يوليو 1881. وتُذكر المحكمة أنه على المدعي الأصلي في قضية التجريح التعبير عن رغبته في استئناف الدعوى، الاجراء الوحيد الكفيل بانقطاع التقادم. ومما ليس عليه الحال هنا. وبالتالي تُقر المحكمة بتقادم دعوى ربيعة بنتوت وتصديا برفض طلبها.
من باب الانصاف تأمر المستئنف بها بدفع مبلغ  4000 أورو بموجب مقتضيات المادة 700 من قانون المسطرة المدنية، ثمن كافة الاجراءات المسطرية.
لهذه الاسباب
المحكمة
وبعد الاستماع إلى الأطراف، بايداع مذكراتهم لدى كتابة الضبط
تُقر تقادم دعوى ربيعة بنتوت،
وتقرر الحكم بالتعويض لصالح كارولين فوريست بمبلغ  4000 أورو بموجب مقتضيات المادة 700 من قانون المسطرة المدنية،
وبالتالي تحمل جميع الصوائروالرسوم القضائية.


وكانت هذه الدعوى تقصد إحدى مقالاتي التي اذيعت في محطة فرنسا الثقافة لسنة 2013، حيث قمت بلاستنكار للهجومات التي تعرضت اليها النساء المحجبة واعتبرتُها "بغيضة وعنصرية واضحة." غير ان المقال يدعو الى عدم الخلط بين حالتين ِما يقتضيه الظرف من توخي الحذر. بدءا بالبيانات المتذبذبة والمتناقضة المقدّمة من قبل المدعيتين. فالواحدة تدعي  تعرضها للهجوم من قبل رجلين  ثم  من قبل حالقي الرؤوس، وهو أمر نادر. وأشارت الصحف أنه لم يتم العثور على آثار الضربات ولا على صور للعدوان، أخدت من قبل كاميرات المراقبة. ثلاثة من مصادري في عين المكان ومقربين من التحقيق، أعربوا عن شكوكهم ... كما أن محامي اثنين من النساء المحجبات، الأستاذ حسني المعاطي، نفسه، صرح للصحافة أنه لم يستطع التحدث إلى احدى زبوناته، بل تحدث الى زوجها فقط.
وعلى أساس هذه التناقضات قمت بالحث على توخي الحذر، كما قام به البعض وزملاءي آخرين [1]. والغريب في الامر، أنني كنت الوحيدة التي قام الاستاذ حسني المعاطي بمتابعتها ... وهو أيضا محامي الغيرمجزئين "ليزاندبفيزيبل" (الشهير بجوائز يا بون")، للتجمع ضد الإسلاموفوبيا، والذي يحضى باعتراف كبير لقدراته  التدليسية. كحكاية فتاة  قامت بالاعتدت على امرأة بسبب ارتدائها لتنورة (...).




لذلك فهذه هي الدعوى الشهير، المضحكة والتي تهدف إلى جعلي ادفع ثمن مواقفي حول العلمانية، التي لوَّح بها إيميريك كارون – والذي أصبح مؤلفا لكتب شيِّقة ومثيرة حول ديدان الأرض - باعتبارها عار يستجوب بسببه سحب بطاقتي الصحافية مني . في ذلك الوقت (أي وقت مقابلتي في البرنامج)، كنت متعبة من الخضوع ل"محاكم التفتيش" وكنت اود التحدث عن مواضيع اكثر خطورة مثل الهجوم الذي تعرض اليه أصدقائي في تشارلي ، فقد قمت بترديد ما قاله لي بالحرف المحامي الذي وكَّلتُه في هذه القضية الاستاذ ريتشارد مالكا. قلت بان الطرف الاخر لم يقم بابطال التقادم ، حيث تقادم الاستئناف وبالتالي ربحت القضية.

كما أن محكمة الاستئناف كانت باستطاعتها اقرار ذلك أسابيع فقط بعد ايذاع البرنامج "لم ننم بعد" .... إذا لم يقم الاستاذ حسني المعاطي بتمديد آجال الموعد النهائي (عن طريق طلبات إجراءات ثانوية، وعدم الحضور في موعد الجلسة ...) فقد تم تأجيل لعدة اشهرالاقرارالفعلي بالتقادم الذي تزامن وايذاع البرنامج.

في حين أن وقتها، وبكل هدوء قامو بتشويه سمعتي على الشبكات التواصلية ومع زملائي الى حد إقناع لوران روكيي أنني كذبت، الى حد منعي ولوج برنامج في خذمة الصالح العامة بحجة  أنني كذبت. ومنذ ذلك الحين، فليس هناك لا منتدى، ولا ورقة، ولا موقف، وإن كان صحيح ومبرر وموزون، الاّ ويتم نعتي بال"كذّابة".

هذا المقطع الذي يتكررباستمرار له قصّة. فقد بدأ في عام 2004 عندما قام طارق رمضان باتهامي بالكذب حين أقدمت على فضح أكاذيبه بالدلائل والحجج! محاكمة استرسلها صديقه باسكال بونيفاس، الذي أُدين بالتزوير، ثم مارين لوبان .... التي استشهدت بباسكال بونيفاس، رفيق درب الإسلامويين، في محاولة بائسة لتشويه سمعة الكتاب الذي خصصته لها.

هكذا العالم عندما نقوم بواجب الابلاغ عن أصحاب الدعاية. إذا تبيّنتم كذبهم، مثل ساحة المدرسة، يتهمونكم أنتم بالكذب. اذا كانت هذه اللعبة تُمتع الاصوليين والمتطرفين فهذا أمر يمكن استيعابه. لكن ان يقوم برنامج في خدمة الصالح العام بفسح المجال الى ذلك فهذا أمر آخر.

والآن بعد أن تم التوصل الى الحقيقة، فأنا لا أشك لحظة أن  لوران روكييه وفريقه سوف يحرصون على تصحيح هذا الامر مع  جمهور البرنامج. أما من جانبي، فأحتفظ بالحق في متابعة المواقع والصحف التي تستمر في تشويه سمعتي و تجريحي دون التثبت من الحقائق.


كارولين فوريست، 31 أغسطس 2016.