الأربعاء، 20 مايو 2015

كارولين فوريست: "لن نُقَلِّل من العنصرية بالتماس الأعذار الاجتماعية للمتعصبين"


صورة لكارولين فوريست يوم 05 أكتوبر 2013 بباريز. الصورة توماس سامسون أ ف بي  (AFP)




انجز هذا الحوار من قبل اناستازيا فيكران
في "مدح الازدراء" كارولين فوريست نشرته غراسيه، 2015

فوريست "لن نقلل من العنصرية بإلتماس الأعذار الإجتماعية  للمتعصبين"
أن تكون أو لا تكون تشارلي. هذا الامر لم يعد قضية. بعد أكثر من أربعة أشهر من أحداث 11 يناير، وكلا الجانبين تتنافس لمعرفة من هو حقا تشارلي. هناك من يعتبره مدافعا عن الجمهورية العلمانية والحق في الازدراء. وهناك من يرى انه اسلاموفوب يختبئ وراء الجمهورية لوصم جزء من الساكنة (أطروحة الكتاب الأخير للمؤرخ وديموغرافي إيمانويل تود). ففي كتابها الأخير، في مديح الازدراء الذي صدر مؤخرا من قبل مطبعة غراسيه، قامت الكاتبة كارولين فوريست، التي عملت عدة سنوات في مجلة شارلي ابدو، بالرد على قضية الاسلاموفوبيا التي عرفتها الرسوم الكاريكاتورية  وتحذر من إساءة استخدام العلمانية لأغراض التمييز عن طريق الهوية.

أنت تدافعين عن حرية التعبير، لماذا أصبح "أنا لست تشارلي" شبه الازدراء؟
لا يتوقف الامر على الحظر أو فرض الرقابة على أولئك الذين يرفضون دعم حرية خط تحريررسامي الكاريكاتير والصحفيين الذين تم اغتيالهم من قبل الإرهابيين، والذي يقصد به "أنا تشارلي"، ولكن هل لدينا الحق في الإجابة عليهم؟ أسمع الناس يشوه القصد من هذه الرسومات وينكر سياق الذي جائت فيه، كان موجعا بالفعل من قبل. أصبح مؤلما للغاية بعد الهجمات. شعرت بالحاجة، بحالة طوارئ مجنونة، الى تسليح بكلمات أولئك الذين يريدون بناء حصن مانع ضد هذه الارتباكات، والتي يمكن ان تتحول الى رصاصات في نهاية المطاف.

يبدأ الكتاب بنوع من التصنيف لطرق رفض أن يكون تشارلي. لم يكن كلهم لديهم نفس النية. هناك أناس ذو حسن نية والذين لم يفهموا أهمية تغطية الرسام لوز، "انا أسامحكم على كل شيء" بعد أسبوع من المجزرة. هناك من الفنانين الذين اعتبروا هذا الرد كمحاولة "رمي الزيت على النار".

كما هناك المعارضين، حقيقيين وإيديولوجيين، للحق في الازدراء والعلمانية عندما يتعلق الأمر بالوقوف في وجه الأصوليين الإسلامويين. فالّذين يُسمُّون أنفسهم مناهضين للعنصرية فقط لتحسين معاملتهم مع العنصريين أولئك الذين يدافعون عن حرية الضحك من الإرهاب بحجة أن المسلمين أقلية في فرنسا. إلا أن هذه االرسوم لا تضحك على المسلمين. انهم يضحكون عن الذين يضطهدونهم ويقومون بتشويه الإسلام بغرض السيطرة، والترهيب والقتل.

أليست هناك تقديس لتشارلي بعد الهجمات؟ فقد تحدث ايمانويل تود عن 11 يناير بأنه "فلاش الشمولي" ودوبريه عن خطر "المكارثية الديمقراطية" ...
هؤلاء المثقفون قامو بتثقيق إطاحة الكون. بكلمات علمية، مرشوشة بالزهو الأكاديمي، نقف أمام مشهد الانعكاس الكلي للمسؤوليات بين الجلاد والضحية. أولئك الذين يدافعون عن الحرية بطريقة سلمية أصبحوا عنيفين، وأولئك الذين يريدون فرض رقابة أو ايجاد ظروف التخفيف للقتلة هم ضحايا الإرهاب الفكري. هذا مذهل. لقد انبهرت بإيمانويل تود في كتابه مصير المهاجرين (1). اليوم، أتساءل عما إذا كانت مناهجه موثوق بها، حينذاك.

بدلا من الاختباء وراء منهجية علمية فاشلة، على إيمانويل تود أن يتحمل مواقفه الجدلية. خاصة وأننا لسنا متساوين لمواجهة وجهات نظرنا في هذا النقاش. فالمثقفون الذين يصفون الآخرين بالاسلاموفوب لا يحتاجون إلى حماية الشرطة. أولئك الذين يدافعون عن الحق في الازدراء، هم، يشتغلون والمسدس فوق رؤوسهم.

تقومين بالتمييز بين نوعين من مكافحي العنصرية ومن بينهم واحدة مناهضة للعلمانية ...
منذ 11 سبتمبر 2001، قام بعض أصحاب اليسار - الذين يسمون أحيانا "اليسار الاسلامي" - بالتفكير في العالم حسب الخطر العنصري الذي يتعرض له المسلمون. فل نضع جانبا حقيقة التطرف وإنكار تصاعد معاداة السامية. هذا اليسار الراديكالي أو المرتبك، والذي قضى حياته يعتبر كل الذين ينادون برؤية متوازنة للعلمانية، وبصرامة شديدة ضد المتطرفين أو العنصريين، بالاسلاموفوب. فهذين الخطرين متواجدين في مجتمعنا. يجب علينا مواجهتهما. ولن نُقلل من العنصرية بإلتمسنا الأعذار الاجتماعية، لأولئك الذين سيصبحون متطرفين أو إرهابيين. فبالعكس هذا الخطاب الدُّوني المتشائم يدفع الفرنسي للإرتماء في احضان مارين لوبان. والسبيل الوحيد لمنعهم من ذلك هو الدفاع عن يسار واضح، يسار لا يخاف من الكلمات.

هل الخطر الأصولي يمنعك من رؤية واقع العنصرية المعادية للمسلمين؟
لو كنت منبهرة بأعمالي حول الأصولية، لن أعد للاشتغال من جديد على اليمين المتطرف المتعصب للهوية، ولن أندد بطلب العروض الشعبي العنصري للجبهة الوطنية حول العلمانية ولم أشر بالاصبع الى العنصرية في كتبي وأفلامي. لقد حذرت دائما ضد إساءة استخدام العلمانية ضد معادات الإسلام، إلى درجة اثارة كراهية مجموعات كريبوست لاييك أو أصبح  التنديد بي  كمناصرة للإسلام عندما رفضت حظر الحجاب في الشارع ومنع الأمهات المحتجبات من مرافقة الرحلات المدرسية، أو لأنني دافعت عن الحق في الاختيار بين قائمة النباتية وقائمة مع اللحوم في وجبات الغداء المدرسية. لم أقدم قط خطر الأصولية الإسلاموية باعتبارها خطرا "هجومي" أو اقتنعت بسيطرة الإسلامويين على فرنسا. ما يقلقني هو أن تصرفات اليمين الاسلاموي المتطرف يسهل السيطرة على السلطة السياسية من قبل القومية، والفاشي والعنصري. لاشمئزازهم في مواجهة الخطاب الجبن حول الأصولية والإرهاب.

هل العلمانية كما يتم تكييفها مواتية لتغيرات المجتمع؟
على المستوى التشريعي، وصلنا إلى شكل مركب إلى حد ما ومتوازن للعلمانية. ومن المهم عدم البحث الى حل جميع مناقشاتنا الاجتماعية بقوانين جديدة. بعد الدفاع عن القانون حول الرموز الدينية في المدارس العمومية في مارس 2004، علينا التوصل إلى حل وسط بين ما نطلبه من الطلبة وما نطلبه من الآباء والأمهات، ما سميته  في"اليوتوبيا الاخيرة (2)" بالأماكن الاكراهات "مثل المدارس، و" أماكن التي تمارس فيها الحرية "كما في الشارع أو المتاجر. ففي الشارع، في المنزل أو في المطاعم، لا يمكن التحجج بالعلمانية لفرض أسلوب حياة، إلا في حالات الإخلال بالنظام العام كما هو الحال بالنسبة للنقاب الذي يخفي هويته. وأنا على علم بإغراء بعض السياسات لتحويل عقول العلمانية الى تفكير عقائدي، وأنا أحارب ذلك.

البعض يعتبرون الازدراء في الإسلام هوإهانة المستضعفين ...
هذا هو منطق "الأقلية ضد الأغلبية" لجزء من اليسار. وفق هذا المنطق، فالأصولية هي مشكلة مع مرتبطة بالأغلبية الدينية الفرنسية. على سبيل المثال عندما يتعلق الامر بكريستين بوتان، ومنيف للجميع والأصولية المسيحية. عندما تأتي الأصولية من الإسلام، يتغيرالخطاب تماما، فبعض أهل اليسار، يغلقون أعينهم. هذه الطريقة في تقليص المسلمين في "ضعفاء"، حتى ولو كانوا من الأصوليين ويريدون الهيمنة (على النساء، مثليون جنسيا أو اليهود)، ليس فقط مسؤولية أحد الأبوية الغربية النابعة من المشاعر طيبة، ولكن جوهرية تقوم بمسج المسلمين التقدميين وباليمين المتطرف في نفس "التجمع" فهم سكان بدائيون وجب حمايتهم. وأشعر بالصدمة كمناهضة للعنصرية. فأنا أحكم على الناس وفق ما يفكرون به، وليس وفق دينهم.

أما بالنسبة للحق في الازدراء، لأنه يحمينا جميعا، مؤمنين وغير مؤمنين. دون هذا الحق، فالطابوهات الدينية فوق أي اعتبار، والتعبير عن عقيدة الأقلية يمكن اعتباره "ازدراء" لدين الأغلبية كما هو الحال في باكستان، حيث الجدل لم يعد ممكنا، ونخلى عن ديمقراطيتنا العلمانية.

بالمقارنة مع بقية دول العالم، فرنسا تعتبر من بين الأقلية في دفاعها عن الحق في الازدراء، أليست هذه علامة على ضرورة التطور؟
156 دولة تتوفر على تشريعات ضد الازدراء. هذا ليس لأننا أقلية يجب علينا رفض الدفاع عن نموذجنا. في عصر العولمة، أي رسم أو كلمات يمكن أن يخرج من سياقها، عن نيته ليتم تسليمه إلى رحمة الحشود الهستيرية في الطرف الآخر من العالم، الذين لا يفقهون لا في اللغة ولا في الفكاهة وغالبا ما لم يعرفونها قط. هل هذا يعني أننا يجب أن نتوقف عن الحديث أو الرسم أو علينا النضال في سبيل المعلومات مؤخودت داخل سياقها؟

يتعين علينا أن نحاول التأثير على القواعد التي يجب أن تأطرهذه العولمة المتوحشة من المعلومات. فالشركات العملاقة الكبيرة من المعلومات مثل جوجل، والفيسبوك، تطبق معايير الولايات المتحدة. من حيث المبدأ، يسمح كل شيء. في الواقع، فهم يمنعون أي صورة تذي أورسومات ديني خوفا من عصبة الفضيلة. على عكس التحريض على الكراهية والعنصرية والخوف من المثليين والمعادية السامية، فمواقعم و خطاباتهم منتشرة كثيرة. على عكس ديلي موشن، الذي ينظم محتوياته  اما يوتيوب فهي تنشر أشرطة الفيديو لأغني تشيد بالكواشي. فتتحمل هذه المجموعات الأميركية العظيمة جزء المسؤولية عن ارتفاع الإيذاء اللفظي والجسدي التي يعرفها عصرنا. حتى لو كان ذلك هو رأي الأقلية، وما زال فرنسي للغاية، فأنا أؤيد حرية الكاملة عندما يتعلق الأمر بالازدراء، ولكن ليس في حالات التحريض على الكراهية أو القتل. هذا هو الفرق بين تشارلي ابدو وديودوني.

بالضبط أين هو الخط الفاصل بين الازدراء وخطاب الكراهية؟
هو الفرق بين ضحك "على" الإرهابيين والضحك "مع" الإرهابيين. الضحك على الشأن الديني، الاستهزاء من المتعصبين ومن تنظيم القاعدة وداعش، كما يفعل تشارلي إبدو، ينطوي على فكرة النقاش. هذا وحتى السماح للأكسجين الذي يحمي من اللجوء الى العنف الجسدي. السخر من إبادة أو هجوم هي وسيلة للتخفيف من الرعب ومن العنف الجسدي. بل على العكس تماما. عندما يسخر ديودوني على المحرقة بينما يعرب عن أسفه أن الصحفيين الذين لديهم اسم يهودي هربوا منها، عندما يخلق حزب مع مع أحد القوميين الاشتراكين الذي يجعل الزلابية أمام المكان الذي قتل اليهود، لم يكن ذلك المزيد من الفكاهة ... ولكن التحريض على الكراهية واليمين العنصري المتطرف. علينا شرح للشباب، الذين لا يفرقون دائما. كما أنها أحد أهداف هذا الكتاب هو تقديم الحجج للمدرسين. مهمتهم هي شاقة للغاية: مساعدة جيل بكامله المرور من الشكوك التي تساعد على التفكير المناورتي  الى الفكر النقذي المطابقة لفكر التنوير. ليس هناك ما هو أكثر إلحاحا.

(1) إيمانويل تود، "مصير المهاجرين"، دار النشر سوي، 1997.
(2) كارولين فوريست، " اليوتوبيا الأخير"، غراسيه، 2009.

http://www.liberation.fr/societe/2015/05/20/on-ne-fera-pas-baisser-le-racisme-en-trouvant-des-excuses-sociologiques-aux-fanatiques_1313270